موضوع: أداب الساجد في رحاب المساجد الأربعاء 28 مارس 2018 - 18:03
أداب الساجد في رحاب المساجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: المساجد لها منزلة عظيمة في الإسلام، فهي بيوت الله -تعالى- الذي يذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال قال -تعالى- (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )( النور:36)، وفي رحاب المساجد تزول الفوارق بين الناس لا فارق بين غني وفقير، أو بين متعلم وامي، أو بين عظيم وحقير، فالجميع يصلون لإله واحد، ويستقبلون قبلة واحدة، و يقرءون من كتاب واحد، وأيضاً في رحابها يتعلم المسلم شعائر دينه والحلال والحرام، ولقد جعلها الله مثابة للناس وأمنا، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصاً علي بناء المسجد بعد الهجرة ليتعلم الناس أمور دينهم وبيان تعاليم الدين، وحسبنا في عظم شأن المساجد إن الله -تعالى- قد اختصها بالإضافة إلي اسمه فقال -تعالى- (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (الجن:18). ومن ثم ينبغي علي مريد المسجد أن يتأدب بآداب الإسلام وهو في ر حابه ولا ينتهك حرمته، وأذكر هنا بعضاً من هذه الآداب كملخص وجيز مع توضيح ما يحتاج لبيان من أقوال علماء أهل السنة والجماعة والله المستعان. 1- الذكر عند الدخول والخروج منه: فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)) أخرجه مسلم، هذا ولا يغيب علي القارئ إن الدخول بتقديم الرجل اليمني والخروج بتقديم الرجل اليسرى. 2- أداء تحية المسجد قبل الجلوس: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ)) أخرجه مسلم. قال النووي: "قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)).. فيه: استحباب تحية المسجد بركعتين، وهي سنة بإجماع المسلمين، وفيه: التصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة وهي كراهة تنزيه، وفيه: استحباب التحية في أي وقت دخل". ا.هـ. 3- النهي عن دخوله لمن له رائحة كريهة: وعَنْ جَابِرٍ-رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا"، فَقَالَ: ((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ))أخرجه مسلم. قال النووي: "قال العلماء: وفي هذا الحديث دليل على منع أكل الثوم ونحوه من دخول المسجد - وإن كان خالياً -؛ لأنه محل الملائكة، ولعموم الأحاديث". 4- النهي عن البزق في المسجد: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: (( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى)) متفق عليه. قال النووي- يرحمه الله -: " قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه)) أي الجهة التي عظمها.. وقيل: ثوابه، ونحو هذا، فلا يقابل هذه الجهة بالبصاق الذي هو الاستخفاف بمن يبزق إليه وإهانته". *وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا)) متفق عليه. وقال النووي: "قوله (( كفارتها دفنها )) قال الجمهور: يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه، وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلاً". ا.هـ. 5- حرمة نشد الضالة في المسجد: وهذا منتشر في مساجدنا للأسف الشديد، فعَنْ أَبَو هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا)) مسلم في المساجد. 6-إجابة المؤذن والصلاة علي النبي -صلى الله عليه وسلم-: فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ: أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ)) أخرجه مسلم. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ –رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: ((إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)) أخرجه مسلم. 7-عدم رفع الصوت والتشويش علي المصلين ولو بالقران: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ –رضي الله عنه- قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (( أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ)) أخرجه أبو داود وصحح الألباني غسناده- يرحمه الله -إسناده في صحيح سنن أبو داود(1332) 8- النهي عن زخرفة المساجد وتزينها: وليس ذلك من السنة؛ بل السنة خلاف ذلك لما في تزينها وزخرفتها من إسراف منهي عنه فضلاً عن أنها تذهب بخشوع المصلين بالنظر إليها، وفي البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- "كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ-رضي الله عنها- سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم – (( أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي". 9- حرمة البيع والشراء في المسجد وملحقاته: البيع والشراء في المسجد أو ملحقاته وخصوصاً يوم الجمعة لا يجوز؛ لأن المساجد لله فلا تستخدم في التجارة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ.. )) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع(573( وقال الترمذي: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم كرهوا البيع والشراء في المسجد وهو قول أحمد وإسحاق" ا.هـ. 10-التطيب وأخذ الزينة عند الذهاب للمسجد: التطيب وأخذ الزينة من الثياب النظيفة الساترة للعورة عند دخول المسجد من الآداب التي أمر الله بها في كتابه العزيز.. قال -تعالى-( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(الأعراف:31). 12-حرمة دفن الموتى فيه وسؤالهم من دون الله -تعالى-: لا ريب أن سؤال غير الله من الأموات والاستعانة بهم والتمسح بقبورهم وأضرحتهم مهما كانت منزلتهم شرك؛ لأن المساجد لله، كما أنهم لا يملكون لهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياتاً ولا نشوراً.. وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة من اتخاذ القبور مساجد أذكر منها ما أخرجه أحمد وصححه الألباني في كتابه (تحذير الساجد) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: ((إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِد))، ومن ثم المساجد التي بها قبر لا تصح فيها الصلاة علي الصحيح من أقوال العلماء، و قال الألباني - رحمه الله - في كتابه سابق الذكر ما مختصره: "أما شمول الأحاديث للنهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فدلالتها على ذلك أوضح؛ وذلك لأن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه، مثاله: إذا نهى الشارع عن بيع الخمر فالنهي عن شربه داخل في ذلك كما لا يخفى بل النهي عنه من باب أولى". ثم قال: "فإذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمناً بالصلاة فيها؛ لأنها هي المقصودة بالبناء، وكذلك إذا نهى عن بناء المساجد على القبور فهو ينهى ضمناً عن الصلاة فيها؛ لأنها هي المقصودة بالبناء أيضاً وهذا بين لا يخفى على العاقل إن شاء الله -تعالى –". ا.هـ. 13-النهي عن المرور بين المصلين وأذيتهم: لا ريب أن المرور بين المصلين والتفريق بينهم لغير ضرورة وخصوصاً يوم الجمعة لمن يأتي متأخراً فيه أذي لهم، فعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ-رضي الله عنه- جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ((اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ)) أخرجه أبو داؤد وصحح الألباني إسناده، وفي شرح المهذب قال النووي: "وإذا لم يجد طريقاً إلى المنبر أو المحراب إلا بالتخطي لم يكره؛ لأنه ضرورة، وروى نحو ذلك عن الشافعي". والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل وكتبه/ سيد مبارك