فيروس كورونا وفقه الواقع
كلنا نعلم أن المسافات بين الدول صارت منعدمة في عصرنا هذا.
وكلنا نعلم أن الضرورات تبيح المحظورات وأن حفظ النفس وصيانتها من مقاصد الشريعة الإسلامية الخمس التي يعلمها القاصي والداني وقد قال تعالي (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/195
وكلنا نعلم أن الفقيه الحق من ضبط فتواه علي واقع الناس اليوم في بلده وأرضه وتختلف الفتوي حسب الأحوال ومقاصد الشريعة الربانية ،ونعلم أن فقه الواقع مصطلح تعارف على إطلاقه فقهاء الإسلام كأحد أنواع الفقه مثل: فقه السنن وفقه الموازنات وفقه الأولويات وفقه المقاصد..الخ
ولكن قطعاً هذا إنما يكون بعد الفقه الشرعيِّ الذي يستدل بالنصوص من القرآن والسنة؛ ليميز الحق من الباطل والهُدى من الضَّلال.
ومن الخطأ صرف النظر عن الخطر عند الضرورة المتيقنة لا المتوهمة والتجاهل والتحريض ضد علمائنا والدعاة المخلصين بحجة عدم وجود دليل، ورحم الله الشاطبي عندما قال: الفقه بلا مقاصد فقه بلا روح.
ثم أن الاستخفاف بالخطر المتيقن لا المتوهم بحجة عدم وجود الدليل ونحن من أنصاره قطعاَ ، ولكن الفقه في اللغةِ هو الفهم والعلم بالأحكام الشرعية المستمدة من الأدلة من القرآن والسنة ، وعلماء كل بلد هم أهل الذكر الذين قال الله فيهم (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقد أعلن الأزهر وعلمائه في بيان للناس جواز إيقاف صلوات الجُمع والجماعات حمايةً للناس من فيروس كورونا ومما جاء في البيان:
" ففي ضوء ما تسفر عنه التقارير الصحية المتتابعة من سرعة انتشار (
#فيروس_كورونا - كوفيد 19) وتحوُّله إلى وباء عالمي، ومع تواتر المعلومات الطبية من أن الخطر الحقيقي للفيروس هو في سهولة وسرعة انتشاره، وأن المصاب به قد لا تظهر عليه أعراضه، ولا يَعْلم أنه مصاب به، وهو بذلك ينشر العدوى في كل مكان ينتقل إليه.
ولما كان من أعظم مقاصد شريعة الإسلام حفظُ النفوس وحمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار.
فإنَّ هيئة كبار العلماء - انطلاقًا من مسؤوليتها الشرعية - تحيط المسؤولين في كافة الأرجاء علمًا بأنه يجوز شرعًا إيقاف الجُمَعِ والجماعات في البلاد؛ خوفًا من تفشِّي الفيروس وانتشاره والفتك بالبلاد والعباد..إلي أخر ما جاء في البيان"
والشريعة الربانية صالحة لكل زمان ومكان وديننا يسر في كل عصر ومصر، وفيروس كورونا وضرره لا يخفي علي من له بصيرة وأنه صار وباء عالمي منتشر.
انتشر في الصين وايطاليا وتونس واليابان وأمريكا وغيرهم في أرجاء المعمورة، ومصر فيها مصابين كما لا يخفي، وقد ينتشر لدرجة الخطر-حاشا لله- فأن وصل الخطر لنقطة معينة خشي فيها المرء علي نفسه وأهله فليمتنع عن حضور الجمع والجماعات ويأخذ بالرخصة بجواز الترك إلي حين انكشاف الغمة واكرر خشي فيها علي نفسه وأهله فيجوز ،وعدم الأخذ بالرخصة في بيان الأزهر وعلمائه عند الخطر وانتشار الفيروس يكون ذلك انتحار وقتل نفس بغير حق وقد يتسبب في أذي غيره من المؤمنون والله تعالي يقول : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]،
والنبي - صلى الله عليه وسلم-قال: «لا تحاسدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا، المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمُه، ولا يحقرُه، ولا يخذُله، التّقوى ها هنا -فأشار بيده إلى صدره ثلاثًا-، بحسب امرئٍ من الشّرّ أن يحقرَ أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضه» -صحيح مسلم: 2564
وقطعاً التهاون في مواجهته بكل السبل المتاحة طبياً وروحيا لتحصين النفس وحفظها ضعف وقلة وعي ،ونحن نري الخطر عياناً يقترب ، فحياة الناس لا مجال فيها للتواكل بل الأخذ بالأسباب والتوكل علي رب العباد وهو القائل (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء:29
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد
وكتبه/سيد مبارك