رسالة القول المبين في الدفاع عن سنة النبي الآمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئا ت أعمالنا, من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ..
في هذا العصر لا يخفي علي اللبيب أن الدين الإسلامي يتربص به أعدائه من الداخل والخارج, وفي محاولات متتالية للتشكيك والتضليل قديما وحديثا من منكري السنة وأسلافهم من الفرق الضالة والمستشرقين الحاقدين علي الإسلام ونبي الإسلام .
خرجت نغمة تدعوا إلي الاكتفاء بالقران الكريم القطعي الدلالة والمتواتر والمحفوظ بحفظ الله تعالي له , وترك العمل بالسنة لأنها ظنية الثبوت وتتعارض مع القران في زعمهم .
حتي أن زعيمهم " رشا خليفة " قال قبل مقتله في بلاد ما وراء المحيطات" أن السنة هي الشيطان .. وأن الإمام البخاري كافر ,وأنتهي به الأمر إلي أن قال أن القران هو معجزته وأدعي النبوة " ,وتبعه علي ضلالته وفسقه بعضا من أصحاب الفكر الضال والمنحرف أمثال "محمود أبو رية وكتابه " أضواء علي السنة المحمدية دليل إدانته ,وأحمد صبحي منصور وقبلهما أو بعدهما نفر من المفكرين والكتاب مثل أحمد أمين وقاسم أمين وطه حسين وغيرهم ولقد وقع في يدي حاليا كتاب لرجل منهم يدعي " أيهاب حسن عبده " عنوانه " استحالة وجود النسخ بالقران " وله كتب أخري مثل " استحالة وجود عذاب القبر " و" استحالة وجود المسيح الدجال " حتي صارت ثوابت الدين عنده كلها إستحالات !!!
والرجل يتشفى من السلف الصالح والأئمة الأعلام ويصفهم بأوصاف أبعد ما تكون عن أدأب البحث العلمي والمنهجي , فهو يقول علي الألباني –رحمه الله " وصححه حشوي العصر الألباني " وعندما ذكر قول ابن القبم في العقوبة الشرعية لمن ينكر القبر والشفاعة وما هو من ثوابت الدين قال : ونحن في غني عن دموية المتطرفين , وفي سياق كلامه عن السلف الصالح يقول : والخلف المتخلف , والكتاب كغيره من كتب القوم يغلب عليه التشكيك والافتراء .
ومن ثم لم أشعر بنفسي إلا وأنا أعكف علي كتب القوم وأعيد قراءتها رغم رائحتها التي تزكم الأنوف, وأتدبر كتب علمائنا سلفا وخلفا في الرد عليهم و كشف ضحالة فكرهم وجنوحهم عن الحق , فكان أن فتح الله تعالي عليّ بمادة هذا الكتاب لتحذير المسلمين من فكرهم الضال , وقد ألتزمت فيه بالمنهجية وآداب البحث العلمي واعتمدت علي مراجع علمائنا الثقات من أهل السنة والجماعة , مع بيانها حسب موقعها في الكتاب.
هذا وقد قسمت الكتاب إلي خمس فصول عناوينها كالتالي :
الفصل الأول : منكري السنة " الأصول والجذور "
الفصل الثاني: شبهات وردود حول حجية السنة "
الفصل الثالث : "منكري السنة والطعن في الصحابة الكرام
الفصل الرابع:"منكري السنة والقدح في الأئمة الأعلام
الفصل الخامس: الأصول التي أتبعها أئمة الحديث لحفظ السنة
واذكر هنا مختصر وجيز من الفصول الأربعة الأولي كبيان لمضمون الكتاب والله المستعان.
الفصل الأول- منكري السنة " الأصول وآلجذور
ظهرت بدعة جديدة في القرن الثاني الهجري تدعو إلى الاكتفاء بأحد مصدري التشريع الإسلامي وهو القرآن الكريم والاستغناء عن المصدر الثاني وهو السنة النبوية المطهرة بحجة أن القرآن الكريم منقول إلينا بالتواتر القطعي الثبوت المحفوظ من الله تعالى, بينما السنة ظنية الثبوت , ومن ثم لا يجوز الاحتجاج بها.
وبهذا المنطق الفاسد شكك منكرو السنة في علم الحديث برمته دراية ورواية, واتهموا الرواة وقدحوا في الصحابة الكرام والأئمة الأعلام واتهموهم بالكذب و التدليس ومخالفة نصوص القرآن القاطعة الدلالة من وجهة نظرهم !! وانتهى بهم الأمر إلى إنكار كل معلوم بالدين بالضرورة والذي اتفق عليه علماء الأمة سلفاً وخلفاً,
وفي هذه الدراسة المنهجية أطرح موضوع منكري السنة من كافة جوانبه وأرد على ما أثاروه من شبهات حول سنة سيد المرسلين r ليكون القارئ الكريم على علم مما يحيط به من فتن, وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة والله المستعان.
*من هم منكري السنة ؟
هم طائفة من شرار الخلق تدعوا إلى الاكتفاء بالقرآن القطعي الثبوت وترك الاحتجاج بالسنة المصدر الثاني للتشريع لأنها ظنية الثبوت وقالوا بلا مواربة " حسبنا كتاب الله ".
* النشأة والتطور :
أول ظهور لمنكري السنة في عهد النبي -صلي الله عليه وسلم- لرجل يقال له "ذي الخويصرة " وفي كتاب( الملل والنحل لعبد الكريم الشهرستاني ج 1/22) : جاء فيه :
"وكما قررنا أن الشبهات التي وقعت في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أول الزمان، كذلك يمكن أن نقرر في زمان كل نبي، ودور صاحب كل ملة وشريعة: أن شبهات أمته في آخر زمانه ناشئة من شبهات خصماء أول زمانه من الكفّار والملحدين، وأكثرها من المنافقين، وإن خفي علينا ذلك في الأمم السالفة لتمادي الزمان، فلم يخف في هذه الأمة أن شبهاتها نشأت كلها من شبهات منافقي زمن النبي عليه الصلاة والسلام ؛إذ ليرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى، وسألوا عما منعوا من الخوض فيه، والسؤال عنه، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه. اعتبر حديث ذي الخويصرة التميمي ؛إذ قال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (إن لم أعدل فمن يعدل؟ ) فعاد اللعين وقال (هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى)، وذلك خروج صريح على النبي عليه الصلاة والسلام، ولو صار من اعترض على الإمام الحق خارجيا، فمن اعترض على الرسول أحق بأن يكون خارجيا، أوليس ذلك قولا بتحسين العقل وتقبيحه، وحكما بالهوى في مقابلة النص، واستكبارا على الأمر بقياس العقل؟ " اهـ
قلت:ومن بعد" ذي الخويصرة " يمكن القول أن مصادر التلقي لمنكري السنة أو أصولهم ممن سبقوهم في الإنكار والتضليل تعود إلي عدة مصادر قديما وحديثا أذكر هنا ثلاثة منها وهم:
1- الشيعة :
من المعلوم عداوة الشيعة من صحابة رسول الله رضي الله عنهم , بعد بيعتهم لأبي بكر الصديق إماماً وخليفة للمسلمين ,لأنهم يروا أن علياً – رضي الله عنه أولي بالخلافة ,وقد أدت هذه العداوة إلي الكبر والغلو ورفض كل ما يأتي عن الرسول r عن طريقهم بعد أن حكموا عليهم بالكفر والخروج من ملة الإسلام.
قال ابن تيمية في" الفتاوى ألكبري بتصرف- 6/369 "
والشيعة هم ثلاث درجات ، شرها الغالية الذين يجعلون لعلي شيئاً من الإلهية أو يصفونه بالنبوة. .
والدرجة الثانية : وهم الرافضة المعروفون ، كالإمامية وغيرهم ، الذين يعتقدون أن علياً هو الإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنص جلي أو خفي وأنه ظلم ، ومنع حقه ، ويبغضون أبا بكر وعمر ويشتمونهما .
والدرجة الثالثة : المفضلة من الزيدية وغيرهم ، الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما.اهـ
2-الخوارج :
والخوراج هم الذين خرجوا علي حكم سيدنا عثمان حتى قتلوه ثم أنكروا علي سيدنا علي – رضي الله عنه- قبوله التحكيم في موقعة صفين وانقلبوا عليه , ,ورفضوا قبول ما جاء من أحاديث عن الصحابة ممن شارك في الفتنة فهم أئمة الجور ( حسب زعمهم ) , ولذا نسب البغدادي في "كتابه أصول الدين -ص19 " إنكار السنة إلى الخوارج .
وقال ألأجري في ""الشريعة بتصرف- باب ذم الخوارج وسوء مذهبهم وإباحة قتالهم 1/29"
قال محمد بن الحسين : لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء ، عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن صلوا وصاموا ، واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم .. لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين ...إلي أن قال : ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى ، واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى قدموا المدينة ، فقتلوا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه . وقد اجتهد أصحاب رسول الله r ممن كان في المدينة في أن لا يقتل عثمان ، فما أطاقوا ذلك . ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم يرضوا بحكمه ، وأظهروا قولهم ، وقالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي رضي الله عنه : كلمة حق أرادوا بها الباطل ، فقاتلهم علي رضي الله عنه فأكرمه الله عز وجل بقتلهم ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفضل من قتلهم أو قتلوه ، وقاتل معه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم . فصار سيف علي بن أبي طالب في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة ."اهـ
3-الأستشراق :-
بدأت أول مراحل الأستشراق عندما صارت الحضارة الإسلامية لا تضاهيها حضارة أخرى
في العلوم والمعارف , وبدافع من الحقد والكراهية للإسلام بدأ الإستشراق في التشكيك في مصدري التشريع الكتاب والسنة ولما عجزوا عن التشكيك في القرآن الذي وعد الله بحفظه- كما قال تعالي : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }-الحجر/9
انتقلوا بحقدهم إلي المصدر الثاني وهو السنة النبوية وابرزوا الخلافات وحرفوا النصوص وأنكروا حجية السنة وشككوا في كتب الصحاح والمسانيد واخضعوا الأحاديث للتجارب المعملية وأساءوا إلي نبي الإسلام وإلى الصحابة الكرام , وأمثال هؤلاء المستشرقين المستشرق اليهودي المجري " جولد تسيهر " ومن افتراءاته في كتابه "العقيدة والشريعة في الإسلام" قوله:
إن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني , وأنه ليس صحيحاً ما يقال : من أنه وثيقة الإسلام في عهدة الأول عهد الطفولة ولكنه أثر من أثار جهود الإسلام في عصر النضوج .اهـ
وكذلك المستشرق الأمريكي" جب " الذي قال: الإسلام بني على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شئ .. ) ( أنظر التبشير والاستعمار د/ مصطفى خالد ),وغيرهما من المستشرقين الحاقدين علي الإسلام ونبي الإسلام .
وفي هذا الذي قالوه افتراء فاضح وتدليس تدحضه وتنفيه وقائع التاريخ ,وكل ذلك من أجل النيل من السنة النبوية, ولن ينجحوا في مأربهم فإن السنة الشريفة قد ثبتت بأدق طرق التثبيت للرواية , والنقل الصحيح بالإسناد المتصل حسب علم وأصول خص الله به هذه الأمة حفظاً لسنة رسوله r.
وبعد فهذه هي أهم مصادر منكري السنة قديماً وحديثاً التي بنوا عليها ترهاتهم وأباطيلهم وتلك هي نشأتهم وتطورهم , وسوف نذكر في الفصل الثاني الأدلة على حجية السنة التي يحاول منكروها التشكيك فيها دواماً والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
الفصل الثاني-" شبهات وردود حول حجية السنة "
أثار منكرو السنة شبهات عدة حول حجية السنة , وزعموا أن كثيرا من الأحاديث تناقض القران القطعي الثبوت ويخالف بعضها بعضا كما أنها تخالف العقل واستباحوا لأنفسهم الخوض في المسلمات والتشكيك في الثوابت , وها نحن نطرح شبهاتهم ونرد عليها بما تستحق والله المستعان .
** معني حجية السنة وأهميتها في التشريع :
قالوا أن حجية السنة هي وجوب العمل بمقتضاها,
وقال صاحب" حجية السنة ":وليت شعري كيف يتصور : أن يكون نزاع في هذه المسألة بين المسلمين وأن يأتي رجل في رأسه عقل ،ويقول أنا مسلم . ثم ينازع في حجية السنة بجملتها ؟ مع أن ذلك ما يترتب عليه عدم اعترافه بالدين الإسلامي كله من أوله إلي آخرة فإن أساس هذا الدين هو:الكتاب ولا يمكن القول بأنه كلام الله – مع إنكار حجية السنة جملة فأن كونه كلام الله لم يثبت إلا بقول الرسول 0الذي ثبت صدقة بالمعجزة ) : " إن هذا : كلام الله وكتابة" وقول الرسول هذا من السنة التي يزعم بأنها ليست بحجة ،فهل هذا إلا الحاد وزندقة، وإنكار للضروري من الدين يقصد تقويض الدين من أساسة،أهـ (0حجية السنة د/عبد الغنى عبد الخالق ص 250) .
وها هي أهم ثلاث شبهات لمنكري السنة حول حجية السنة والرد الوجيز عليها والله المستعان
الشبهة الأولى :-
قالو أن الله تعالي يقول (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام /38), ويقول (ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) النحل/89 ثم زعموا أن كان القرآن الكريم حوي كل أمور الدين فلا حاجة للسنة الظنية الثبوت مع القرآن القطعي الثبوت وهذا الذي زعموه أن دل على شيء فهو يدل على أن القوم لا يفقهون شيئا ًفليس المراد بالآية الأولي: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) القرآن الكريم وهذا بدهي لأن القرآن مجمل وليس مفصل وإلا فليقل لنا أذكياء القوم .. كيف نصلي ونحج ؟ وما هي أنصبه الزكاة وما أشبه ذلك , فلن يجدوا في القرآن تفصيل ذلك البتة , ومن ثم يكون المراد بالكتاب اللوح المحفوظ "فإنه الذي حوى كل شئ وأشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها , جليلها ودقيقها , ماضيها وحاضرها ومستقبلها على التفصيل التام , كما قال r ( جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ) , وهذا هو المناسب قوله تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) "الأنعام 38 -( وأنظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/420) , ومن ثم يتبين لنا أن القرآن فيه أمور الدين وكلياته على سبيل الإجمال بينما السنة تأكيد له ومفسرة لما أجمل منه.
الشبهة الثانية :
أن الله تكفل بحفظ القرآن دون السنة فقال تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } الحجر/9– فكيف نتخذها حجة وهي ظنية الثبوت والقرآن قطعي الدلالة محفوظ بحفظ الله . وهذه الشبهة مردودة لأن الله تكفل بحفظ السنة بنص الآية السابقة لأن من المعلوم أن المراد بالذكر هو القرآن الكريم , ولما كان القرآن مجمل غير مفصل والسنة هي المبينة له كما ذكرنا فيتعين حفظها أيضاً لبيان ما أجمل فيه وهذا بدهي لا مراء فيه, والدليل على ذلك قوله تعالى { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } النحل 44- والذكر هو القرآن والبيان هنا للرسول- أي سنته صلى الله عليه وسلم-لا ريب كي يدرك الناس ما استشكل عليهم في دينهم ودنياهم , من أوامر الله تعالى التي يزعم منكريها بعدم حفظها , وقال العلماء : حفظ القرآن يتوقف على حفظها ومستلزم له بما أنها حصنه الحصين ودرعه المتين , وحارسه الآمين , وشارحه المبين : تفصيل مجمله , وتفسر مشكله وتوضيح مبهمة , وتقيد مطلقه, وتبسيط مختصره , وتدفع عنه عبث العابثين ولهو اللاهين , وتأويلهم إياه علي حسب أهوائهم وأغراضهم , وما تمليه عليهم رؤسهم وشياطينهم . فحفظها من أسباب حفظه , وصيانتها صيانة له .( حجية السنة د/ عبد الغني عبد الخالق ص/391)
الشبهة الثالثة :
قالوا لو كانت السنة حجة لأمر النبي بكتابتها ولكنه نهاهم عن ذلك كما هو ثابت عنه , وللرد علي هذه الشبهة نقول إنه ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال ( لا تكتبوا عني غير القران ومن كتب غير القران فليمحه وحدثوا عني ومن كذب علي فليتبوأ مقعده في النار ) "مسلم في الزهد والرقائق/3004"- والمتجرد من الهوى الذي يريد الحق يدرك بعد بحث يسير لماذا أمر النبي بذلك , وسوف يدرك أن الصحابة كانوا يكتبون القران والسنة
في صحيفة واحدة, فكان النهي حتي لا يختلط القران بالسنة فلما امن هذا الجانب نسخت أحاديث النهي كما سوف نذكر وكما هو معلوم في علم الأصول أن المثبت مقدم علي النافي, وقيل في النهي غير ذلك " وأنظر شرح النووي للحديث "
وقال ابن حجر- "في مقدمة الفتح –ج1/ص4" :أعلم علمني الله وإياك أن أثار النبي لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونه في الجوامع ولا مرتبة لأمرين :
أحدوهما : أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك خشية أن يختلط بعض ذلك بالقران العظيم .
وثانيهما : لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم لا يعرفون الكتابة .ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما أنتشر العلماء في الأمصار , وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الاقدار " اهـ
قلت :ثم أن في الحديث دليل علي أن من الصحابة من كان يكتب فكان النهي عن ذلك , وما يدل علي ترخيص النبي لهم بعد ذلك ما ذكره الترمذي وغيره بإسناد صحيح أن أبو هريرة قال :" ما من أصحاب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أكثر حديثا مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه يكتب وكنت لا أكتب " "الترمذي في العلم عن رسول الله/2668" , كما أمر النبي -صلي الله عليه وسلم- كما هو ثابت في صحيح مسلم " أن يكتبوا لأبي شاه " ,ومن ثم فأن كتابة أحاديث النبي أمر لا يجادل فيه إلا مكابر وأن النهي كان لما سبق بيانه أنفا, وأما دليل النسخ ففي صحيح سنن أبوداود –كتاب العلم -عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظة فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال أكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ( أنظر صحيح سنن أبو داود /3646)
ثم من قال أن الكتابة فقط هي التي تجيز حجية السنة ؟!
فهذا ليس صحيحا علي الإطلاق , وليس أدل علي ذلك من القران نفسه فهو منقول إلينا بالتواتر اللفظي ولولا هذا التواتر لما حصل القطع بشيء ..قال ابن الجزري :أن الاعتماد في نقل القران علي حفظ القلوب والصدور لا علي حفظ المصاحف والكتب وهذه خصيصة من الله تعالي لهذه الأمة .. إلي أن قال : ولما خص الله تعالي بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه ويذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه من النبي -صلي الله عليه وسلم- حرفا حرفا لم يهملوا منه حركة ولا سكونا ً ولا إثباتا ولا حذفاً ولا دخل عليهم شيء منه شك ولا وهم وكان منهم من حفظه كله ومنهم من حفظ أكثره ومنهم من حفظ بعضه كل ذلك في زمن النبي -صلي الله عليه وسلم- اهـ
وما يقال عن التواتر اللفظي للقران يقال كذلك عن صلاة النبي وحفظ الصحابة لعدد ركعتها وكيفيتها فقد نقلت ألينا بالتواتر اللفظي عن طريق الثقات ., ولم يثبت أن النبي -صلي الله عليه وسلم- أمر بكتابة كيفيتها لمن يأتي بعده ولم يروه كيف يصلي, وهو القائل للصحابة " صلوا كما رأيتموني أصلي " وبدهي أن كيفية صلاته -صلي الله عليه وسلم- تلزم الأمة كلها لأنها الركن الثاني في الإسلام .. ومن ثم فالكتابة بمفردها ليس من لوازم الحجة وإلا كان النبي -صلي الله عليه وسلم- مقصر في بيان أمر الله لأمته وهذا باطل كما لا يخفي ويخالف قوله تعالي (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً) المائدة/3 " ولزيادة بيان انظر حجية السنة د/ عبد الغني ص/400" وهناك شبهات أخري ولكن نكتفي بما ذكرنا هنا..يتبع