إن الله
أن الله حب المحسنين
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
هل أنت من المحسنين؟
أخي الحبيب، قد يظلمك إنسان لا يتقي الله فيك أو يعتدي عليك أو يضُرُّك، ثم أنت مع ذلك لا تظلمه ولا تغتابه؛ وإنما تعذره وتدعو له، فهذا منك إحسان يُجازيك الله عليه خيرًا.
• قد تُسيء إليكَ زوجتُك بكلمة أو فعل؛ ولكنك تصبر وتأبى الرد؛ لأنها زوجتك وأُمُّ أولادك، وتقول لنفسك الأمَّارة بالسوء: لعلَّها غاضبة مني لسبب ما، ولعلَّني أخطأتُ في حقِّها، فلا تغضب ولا تضرب ولا تهجر؛ وإنما تعاملها بالمودَّة والرحمة رغم كل ذلك، فهذا إحسان يجازيك الله عنه خيرًا، والإنسان عمومًا لا تخلو حياته من الهموم والغموم، ومن المشاكل مع خلق الله تعالى، ويتعامل معهم بما يرضي الله عنه، لا يسألهم أجرًا إلَّا رضا ربِّه، فهذا إنسان يعرف حقيقة العبودية لله في الإحسان، فما هو الإحسان؟ ومتى يكون مقبولًا أو مرفوضًا؟
الإحسان معناه في اللغة: إتقان الشيء وإتمامه، وهو مأخوذ من الحُسْن، وهو الجَمَال، وضد القبح، وهو في الشرع، كما قال النبي في حديث جبريل الذي أخرجه مسلم من طريق عمر بن الخطاب، وأخرجه البخاري عن طريق أبي هريرة رضي الله عنهما، عرف النبي الإحسان بكلمات جامعة راقية "مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك))،ولنسمع قول الله عز وجل: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
وكن أخي الحبيب على يقين إن أنت أحسنتَ مع الناس أحسَن الناس إليك؛ لأن الجزاء من جنس العمل، واسمَع هذه القصة اللطيفةالتي ذكرَها بعض أهل الفضل:
*يذكر أن رجلًا نزل هو وولده واديًا، انشغل الرجل بعمله، وأخذ الولد الصغير يلهو بكلمات وأصوات، فُوجئ الولد أن لهذه الأصوات صدًى يعود إليه، فظنَّ أن هناك من يُكلِّمه أو يرد عليه، فقال: من أنت؟ فعاد الصدى: من أنت؟ قال الولد: أفصح لي عن شخصك؟ فردَّ عليه: أفصح لي عن شخصك؟
فقال الولد غاضبًا: أنت رجل جبان وتخفى عني، فرجعت إليه العبارة نفسها، فقال الولد: إن صاحب الصوت يستهزئ بي ويسخَر مني، فانفعل وخرج عن طوره، وبدأ يسبُّ ويلعن، وكلَّما سبَّ أو لعن رجَعت عليه مثلها، جاء الوالد ووجد ولده منهارًا مضطربًا، فسأله عن السبب، فأخبره الخبر، فقال له: هوِّن عليك يا بني، وأراد أن يُعلِّمه درسًا عمليًّا، فصاح بأعلى صوته: أنت رجل طيِّب، فرجع إليه الصوت: أنت رجل طيب، ثم قال: أحسن الله إليك، فكان الردُّ: أحسن الله إليك، وكلَّما قال كلامًا حسنًا كان الرد بمثله، سأل الولد والده بدهشة واستغراب: لماذا يتعامل معك بطريقة مؤدَّبة، ولا يُسمعك إلَّا كلامًا حسنًا؟! فقال له الأب: يا بني، هذا الصوت الذي سِمعته هو صدى عملك، فلو أحسنتَ المنطِق لأحسن الردَّ؛ ولكنَّك أسأت فكذلك.
أحبَّتي في الله، الإحسان صفة نبيلة، وخصلة جليلة، يحبُّها الله، ويحبُّ أهلها، إذا أحسن المسلم إلى الآخرين في هذه الدنيا، كانت النتيجة إحسانَ الله إليه في الدنيا والآخرة، وحبَّبَ إليه خلقه، ولا ريب عند العقلاء أن أول المستفيدين من الإحسان هم المحسنون أنفسهم، يجنون ثمراته في نفوسهم وأخلاقهم وضمائرهم؛ فيجدون الانشراح والسكينة والطُّمَأْنينة والراحة التي لا يحدُّها حدُّ.
جرِّب أخي الحبيب ولن تخسر شيئًا، فإن كنت مهمومًا أو تشعُر بالإحباط من مشاكل البيت والأولاد أو العمل، أو جار سيئ أو مرض أو غير ذلك، فجرِّب الإحسان.
:diamonds: واسمَع هذا الحديث الجميل الذي يزيد نشاطك لثمرات الإحسان وعمل الخير، ولو كان الإحسان لأهلك وأولادك، فلكل عمل أجر، والحديث في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُها ثَلاثَ تَمَراتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدةٍ مِنْهُما تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّار))".
هذا هو ثواب الإحسان حتى على الأهل، فماذا ننتظر، اللهم اجعلنا من المحسنين وتقبَّل منا يا رب العالمين.
رابط الموضوع علي موقع الألوكة كاملاً:
https://www.alukah.net/sharia/0/130925/#ixzz6LDhYGrcu