
طلب العلم.. قضايا ووصايا
علاج الفتور عن طلب العلمبقلم أحمد الجوهري عبد الجواد
الفتور حالةٌ تعرض - ولا شك - لجميع بني آدم، ومنهم طالبُ العلم، يقعد عزمه، وتفتر همَّتُه عن غرَضه أحيانًا، فكيف يتدارك هذه الحالة بالعلاج، ويمحو أثرها في وقتها؛ حتى لا يَضيع وقتُه، ويتعطَّل برنامجُه؟
وقبل الإشارة إلى العلاج أُحبُّ أن أشير إلى أن الفتور نوعان:
• نوع طبيعي: كطلب النفس الاستجمام، وطلب الجسم الراحة بعد تعَب، وهذا علاجه في الاستجابة لداعيه بإجمام النفس، وإراحة الجسم، مع المحافظة على الخيط الرقيق الذي يربطه بالعلم، ومزاولة الحد الأدنى من الطلب، فلا يفرط فيه.
• ونوع يكون سببه التفريط في الطلَب، وقلة العزم عليه، وضعف الجد فيه، وهو المقصود هنا بالكلام.
• أما علاج الفتور فباتِّباع أمور، منها:
(1) الشعور بالتبعة والمسؤولية العظيمة الملقاة على كاهله، وتذكير نفسه بها على الدوام، فهو مطالبٌ بتغيير نفسه من حال الجهل إلى حال العلم، ومن حال القعود إلى حال الإقدام، ومن حال العمى إلى حال البصر، ومطالبٌ أن يفعل ذلك بأهله وخاصَّته: زوجته وأبنائه وذويها، ثم مَنْ وراءهم من المحيطين به والمخالطين له، والناس أجمعين، ما رأت عينه، وسمعت أذنه، وطالت يده، وقدمه.
(2) الانتقال من علم إلى علم؛ كالانتقال من التفسير إلى الحديث وهكذا، أو الانتقال من لون إلى لون؛ كالانتقال من قديم إلى جديد، أو من نظري إلى تطبيقي، أو الانتقال من طريقةٍ إلى أخرى؛ كالانتقال من القراءة إلى السماع، أو البحث أو الحفظ وغيرها.
(3) القراءة في كتب علوِّ الهمة، كالقراءة عن القرَّاء والأغنياء وطلاب العلم وذوي الصيت، ومَنْ جرى مجراهم؛ فأعتبر بحالهم، وأجدِّد نشاطي وعزمي للوصول إلى غايتي مثلما وصل هؤلاء.
(4) الحياة في ظلال التراجم والسير مع الأعلام والأئمة الأوائل، فقليلٌ مِن ملح تراجمهم خيرٌ مِن كثير غيره، ونِعْمَ الوَقود هو للهمة والعزم، وسواءٌ عندي في ذلك كتب التراجم في القديم أو كتب السيرة الذاتية في الحديث.
(5) مطالَعة كتابٍ في طلب العلم؛ فضله، ومنهجيته، وآدابه، وشغف العلماء به، وأحوالهم معه، ذلك الباب يُشعلني إشعالًا.
(6) وكنت وأنا بين مكتبتي أقوم إليها، فأعمل على ترتيبها وتهذيبها بصفِّ الكتب حسب الفنون، وتعديل ما انكمش من الكتب وغير ذلك؛ فتنفتح نفسي وتُقبل، ويشتد عزمي ويقوى على القراءة والمطالعة من جديد، حين يقارب الكتب ويشمُّ روائحها الطيبة.
(7) ومن طرق علاج الفتور المجرَّبة: زيارة طلاب العلم المجدِّين، ومصاحبتهم في أثناء عملهم في مطالعة أو بحث أو حتى في مذاكرة مسألة ما، فإن الشبيه منجذبٌ لشبيهه، والصاحب ساحبٌ؛ فيأخذ بيدك ساعةَ فتورك ونشاطه، وتأخذ بيده ساعةَ فتوره ونشاطك.
(8) البحث عن أسباب ذلك الفتور وعلاجها أو اجتنابها، ومن هذه الأسباب: التفريط في الأجواء الإيمانية، وهجر السِجالات والمنافسات العلمية، والإقبال على الدنيا، والاستكثار من جمع ملذَّاتها، والانغماس في الذنوب... إلخ.
(9) الرفق بالنفس، فلا يُحمِّلها المرءُ فوق طاقتها فتقع، ولا يُكلِّفها ما لا طاقة لها به فتقعد عنه وتفتر، ويأخذها بالسياسة والحيلة فيما تستثقله حتى تتعوَّد أداءه، فذلك خيرٌ من تركه جملةً.
(10) القصد في النظر إلى القدوات في الحفظ والفهم، والتحصيل والتصنيف، والدعوة وغيرها، فلا يطلب المرءُ أن يصير أُعجوبةً في الحفظ مثل فلان، وفي الفهم مثل علان، وفي التصنيف والدعوة مثل ثالث ورابع، وهو بعدُ لم يمرَّ عليه في الطلب سوى بضع سنين، وهؤلاء كانتْ لهم في العلم عقودٌ وأعمارٌ، ثم إنَّ لهم ظروفًا غير ظروفه، فلا يتعجَّل الطالب ما ليس أهلًا له؛ فيفتر عما هو أهلٌ له.
هذه عشرة أمور في علاج الفتور، مَن أخذ ببعضها وُفِّق لعلاج فتوره، إن شاء الله.
وكلُّ ذلك طبعًا مع الدعاء والرجاء، والتضرُّع والانكسار لله، ومراجعة النية في طلب العلم وإخلاصها لله تعالى، والأَخْذ بأسباب التوفيق مِن أعمال الصالحات؛ كصدقةٍ، وصلاةٍ، وطلَب دعاء الوالدين، فلا شيءَ ينفَع دون ذلك أو يُجْدِي.
والله الموفِّق، والهادي إلى سواء السبيل
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/social/0/122553/#ixzz4zIdA3FZt