موضوع: الزعامة الدينية وحب الإمارة الأربعاء 28 مارس 2018 - 17:01
الزعامة الدينية وحب الإمارة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي النبي الكريم وبعد. في اعتقادي أن حب الزعامة في دنيا الناس والسيطرة علي العباد أمر محبب للنفس وأن كان من يريدها أهلاً لها بما أعطاه الله من صفات للقيادة والتوجيه ورزقه إخلاص النية فيها له -سبحانه وتعالي- صارت زعامته وأمارته نعمة من الله علي عباده أن رزقهم من يتولى أمرهم من الصالحين أما لو كانت غير ذلك فهي بلاء ونقمة بسبب ذنوبهم ومبارزتهم له-عز وجل-بالمعاصي نسأله سبحانه وتعالي أن يصلح حال الراعي والرعية ، أما الزعامة أو حب الأمارة الدينية في يقيني الشخصي ممن لم يردعه دينه وطبيعته السوية علي التزام الحق مرض نفسي له سلبياته علي الأفراد والجماعات في أي مجتمع ويؤدي لضياع الدين والدنيا لماذا؟ لأنه مرض فتاك لو كان هدفه ديني وليس دنيوي لأن الديني يبتغي صاحبة السمع والطاعة والمكانة وقطعاً لو كان جاهلاً بأحكام الشريعة متساهلاً فيها فسوف يكون خطره عظيم فكل الشطحات والطامات في الشرك التي وقع ومازال يقع فيها الكثير من العامة والخاصة الجاهلين بالعلم الشرعي سببه أهل الأهواء وحبهم للزعامة والأمارة. وجدير بالذكر هنا كما يقول أهل الطب النفسي أن حب الزعامة شهوة مرتبطة ارتباطا وثيقا بحب الظهور والسيطرة وصاحبها حريص كل الحرص عليها وهذا كما لا يخفي غلو وانحراف وقد حذر منها رسول الله صلـى الله عليه وسلم بقوله " إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَصِيرُ نَدَامَةً وَحَسْرَةً، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ" (1 ) ولي تجربة شخصية مع شيخاً من أدعياء العلم ومحب الإمارة والزعامة وكان من اعضاء جماعة التبليغ والدعوة بمنطقة الطوابق بفيصل في محافظة الجيزة بمصر حيث كنت اسكن هناك لمدة تزيد عن 25 سنة وكنت معروفا ككاتب وداعية ولي الكثير من المحبين والمريدين في المنطقة ولله الحمد والمنة، وانفصل الشيخ عن الجماعة أو كما سمعت طردوه منها لشطحاته، واتخذ المسجد الذي اصلي فيه كمكان لأقامته هو ومن أتبعه ممن يقتنعون بفكره وشطحاته حتي أن أحد اتباعه الجدد من العاطلين الذين لا عمل له سألني مرة هل أخرج معه في سبيل الله تعالي أنه وعدني بمبلغ مائتان جنيهاً كل شهر فهل هذا حرام؟ ورغم تحفظاتي على أسلوب هذه الجماعة وطريقتها في الدعوة ولكن اشهد الله أنهم أخوة لنا في الله وعلي خلق ممن عرفتهم شخصياً، ومن أهل الايثار والكرم وغير ذلك من الآداب الإسلامية. ورداً على سؤال هذا الحائر قلت له: أن اردت ان تخرج لاقتناعك بهذه الطريقة في الدعوة فلا تخرج إلا لله -تعالي-لا تبتغي بذلك أجراً من أحدٍ، ثم لاحظت أنا وغيري من رواد المسجد الذي نصلي فيه أن الصلاة تقام وتنتهي بسرعة عجيبة ولم أدرك بعضها أكثر من يوم فصليتها في مسجد آخر مازال الصلاة فيه قائمة ثم بدأت أسمع عن شطحات وأوهام ومنامات يقولها الناس عنه لا أدري صحتها. وكانت الطامة الكبرى عندما انفرد بي يوماً بعد الصلاة يسألني الانضمام لجماعته الوليدة لأنهم في حاجة لداعية معروف في المنطقة يتبعه الناس لتنشيطها. فقلت له: ليس من طبيعتي وقناعتي الانضمام لجماعة غير جماعة المسلمين ومن باب الفضول قلت: له وماذا أن فعلت قال بثقة ادهشتني: لو فعلت والله العظيم أنت من أهل الجنة –قالها حرفياً؟ وكنت لا أدرى ماذا أقول؟ أأضحك أم ابكي. الله تعالي يقول للنبي-صلي الله عليه وسلم-:{ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ }.(2 ). وهو يقسم لي بالله العظيم أنني من أهل الجنة أن خرجت معه وكأنه نبي يوحي إليه! حقاً أن حب الزعامة والسيطرة تجعل علي القلب غشاوة فلا يهتدي بهدي الله -تعالي-، ثم ما لبثت الأيام أن دارت وتم القبض عليه هو وجماعته من جهاز الأمن المصري ونشرت المجلات والجرائد خبر القبض لادعائه أنه المهدي المنتظر ! وانتشرت قصص وحكايات ومنامات اعضاء هذه الجماعة التي كونها بماله برؤيتهم لهذا الشيخ وهو يأخذ الناس لسفينة كسفينة نوح –عليه السلام-وينجو ومن معه وتغرق مصر كلها في طوفان وكثير من هذا الهذيان وصدق هو كل هذا. فالحاصل أن حب الزعامة في الدين وغيره لمجرد السيطرة والفخر مرض نفسي وهو يؤدي للغلو والانحراف والتخبط. ولا يغيب عنا أن هناك من الزعماء والحكماء من تولي الإمارة علي غير رغبة منهم أو سعي لها وكانت أمارتهم وفترة حكمهم شرفاً للأمارة والزعامة نفسها واستطاعوا أن يجمعوا بين رضا الله وتطبيق شرعه دون غلو أو انحراف وبين العدل بين الناس والرضا بالسوية والفاروق عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-وأمارته مثال لا تخطئه العين لمن تدبر التاريخ جيداً. وأحري بالمسلم السوي أن يخاف منها ويتجنبها كما هو حال السلف في رفضها وكما ثبت علي النبي-صلي الله عليه وسلم –مما روي عنه أَبِي موسى الأَشعرِي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم. أنا ورجلان من بني عمي. فقال أحد الرجلين: يا رسول الله! أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك. فقال " إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه" (3 ) اللهم وفقنا للحق وسدد خطانا وارزقنا الإخلاص في القول والعمل وأحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن أنك ولي ذلك والقادر عليه. وكتبه/ سيد مبارك
--------------------------------- 1-أخرجه البخاري في الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه " (برقم/ 7148)- باب ما يكره من الحرص على الإمارة -تحقيق/ محمد زهير بن ناصر الناصر-نشر دار طوق النجاة /بيروت-لبنان-الطبعة: الأولى، 1422هـ 2--الأحقاف:9 3-أخرجه مسلم في المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"-(برقم/ (1733)- باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها -تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي- نشر/ دار إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة الأولي سنة/ 1374هـ 1955م.