سؤال رقم /1 حكم العمل بالأحاديث الضعيفة

سؤال رقم/ 1

سؤال من الأخت الفاضلة:

زادكم الله علما ونفع بكم المسلمين وجزاكم خيرا الجزاء شيخنا الفاضل الشيخ سيد مبارك كان عندي سؤال لقد قرأت رأى شيخ من المشايخ يقول انه يجوز العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال وخاصه هذه الأيام المباركة بعض الناس بينهم شحناء وخصام واستدل بهذا الحديث وقال يجوز العمل به  كل خير شيخنا الفاضل. ؟
 
الجواب:
سؤالك هذا أختنا الفاضلة يحتاج لشرح وافي لنفهم ما المقصود بالحديث الضعيف وماهي شروط العمل به ومحذوراته وليس الكلام علي أطلاقه كما أن الحديث المذكور وهو  "يقبل الله جميع الأعمال في يوم عرفه إلا المتخاصمين "الذي استدل به الشيخ كما تقولي ليس بحديث أصلاً  للنبي –صلي الله عليه وسلم-بل هو كذب ولم يثبت بهذا اللفظ ولا معناه هو فقط مشهور بين العامة وليس كل كلام مشهور يكون من كلام النبي فكيف يستشهد به هذا عجيب! 
هذا من جهة الحديث نفسه والعلماء قديما وكوني منتبه اختنا أقول العلماء قديما كالنووي وغيره عندما قالوا يجوز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال ووضعوا شروطا للحديث الضعيف ذكرها ابن حجر العسقلاني-رحمه الله وهي:
1-أن يكون الضعف غير شديد، فلا يعمل بحديث انفرد به أحدٌ من الكذابين أو المتهمين بالكذب أو من فحش غلطه.-والحديث المذكور عن يوم عرفه هنا  منه كما لا يخفي
2- أن يندرج تحت أصل معمول به 
3-ألا يعتقد عند العمل به ثبوته ، بل يعتقد الاحتياط. 
هذه شروط اختنا وضعها علمائنا ممن أباحوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ولكن المتأخرين لم يلتزمون بهذه الشروط وانتشرت احاديث مكذوبة وضعفها شديد والأعجب ليس في فضائل الأعمال بل في العقيدة والتشريع وهذا غلط فاحش وتنطع وتشدد علي العباد بما لم يثبت سندا ولا متنا  عن رسول الله-صلي الله عليه وسلم 
قد يظن البعض من العوام فضلا عن أدعياء العلم من المتأخرين استحباب أو وجوب عبادة لمجرد ورود ها في حديث ضعيف، فإن هذا لم يقل به أحد من العلماء بل المعنى أنه إذا ثبت استحباب عبادة معينة بدليل شرعي صحيح كقيام الليل مثلا، ثم جاء حديث ضعيف في فضل قيام الليل فإنه لا بأس من أن نستشهد بهذا الحديث الضعيف وروايته علي الناس لترغيب الناس في هذه العبادة لأنه لا يترتب عليه محظور شرعي كالقول باستحباب عبادة لم تثبت في الشرع ، بل إن حصل له هذا الثواب وإلا فلا ضرر عليه
والحاصل أختنا أن من قال بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل العلماء وبالشروط التي بينها ابن حجر أنفا قال بها بعض أهل العلم قديما وحرصوا علي شروطها أما المتأخرين من أدعياء العلم فلم يفرقوا بين الضعيف السند وبين المكذوب والموضوع فالجميع عندهم يقال في فضائل الأعمال ومنها هذا الحديث عن يوم عرفة وهو ليس حديث أصلاً.
وأنا أميل بشدة للقول الثاني مع جمهرة من أهل العلم سلفا وخلفا بعدم العمل بالحديث الضعيف إطلاقا حتي في فضائل الأعمال وممن قال بذلك علي سبيل المثال:
الإمام البخاري ، والإمام مسلم ، والنيسابوري ، والإمام أبو زرعة الرازي ، والإمام أبو حاتم الرازي ، و ابن حِبان ، و ابن حزم الظاهري ، والإمام أبو بكر بن العربي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، ، والإمام الشوكاني ، والعلامة حسن صديق خان ، والمُحدث أحمد شاكر ، والمحدث الألباني ، والمحدث مقبل بن هادي الوادعي. وغيرهم كثير وعلي سبيل المثال من كلماتهم بهذا الصدد:
قال الإمام مسلم بن الحجاج” وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث ، وناقلي الأخبار ، وأفتوا بذلك لما فيه من عظيم الخطر ، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب“ "مُقدمة صحيح مسلم -1/22"
وقال الإمام ابن العربي ” لا يجوز العمل بالحديث الضعيف مُطلقاً لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها "تدريب الراوي -1/252"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية” ولا يجوز أن يعُتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة“ ]القاعد الجليلة في التوسل والوسيلة "ص22"
وقال العلامة ابن باز- رحمه الله: الأحاديث الضعيفة لا يعتمد عليها في إثبات شيء من الشرع، وهكذا الحكايات والمنامات والسواليف والآثار عن بعض السلف، كلها لا يعتمد عليها في إثبات الحكم الشرعي، إنما الأحكام تثبت بالآيات القرآنية أو بالأحاديث الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو بما يأتي عن الخلفاء الراشدين، أما الأحاديث الضعيفة لا، لا يثبت فيها حكم ،لا واجب، ولا سنة، ولا تحريم، ولا كراهة، وإنما يثبت هذا في الأحاديث.
لكن ذكر العلماء أن الأحاديث الضعيفة تذكر من باب الترغيب في الأشياء المعروفة من الدين، لا في الأشياء المحدثة .. يتساهلون في الأحاديث الضعيفة ،لا الموضوعة، في الأحاديث الضعيفة التي لم تستقم أسانيدها لكنها غير مكذوبة، أما المكذوب الموضوع لا، ما يذكر أبدا إلا لبيان أنه كذب، فلا يحتج  به أبدا.
لكن الأحاديث التي فيها ضعف، إما راوي سيئ الحفظ، أو راوي عنده شيء من الفسق، أو ما أشبه مما يقال إن حديثه ضعيف، هذا يذكر عند العلماء في مقام الترغيب في الأعمال الصالحة المعروفة مثل: الأحاديث الضعيفة في مقام الصدقات، الصدقات معروفة، أمر الصدقة فيها الآيات، وفيها الأحاديث الصحيحة، فإذا جاء بعض الأحاديث الضعيفة في فضل الصدقات ذكروه، أو في فضل الصلاة والتنفل، أو في فضل التسبيح أو التهليل والأذكار، كل هذه أمور معلومة، فقد يتساهلون في الأحاديث الضعيفة لأن أصلها معروف، ولأن العبادات التي جاءت بها في الأحاديث الضعيفة أمر معلوم من الكتاب والسنة ، هذا وجه.
أما الضعيف بنسبة السنة عبادة جديدة لا. الأحاديث الضعيفة لا يثبت بها عبادة ،ولا تحريم، ولا مكروه، ولا واجب، فالذين يثبتون بها عبادات جديدة غالطون..انتهي
واعتذر أختنا الفاضلة للتطويل ولكنك من حيث لا تدري فتحت باباً لا يصح أن يقال فيه يجوز أو لا يجوز والسلام دون بيان فهذه مسألة خطيرة خصوصا مع تداول مثل الحديث المذكور واخطر منه بقول قال رسول الله ويتداول علي نطاق واسع مع الترهيب من النبي من الكذب عليه وعموما لا استريح إلا لمن منع العمل بالضعيف حتي في فضائل الأعمال وهذا القول هو الراجح وهو الذي تؤيده الأدلة وجمهرة من أهل العلم بالحديث سلفا وخلفا ؛ ثم أن الحديث الضعيف، معناه أننا نشكك في نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي ظننا أنه لم يقله ومع ذلك نقول لا مانع أن نعمل به فهل رأيت اعجب من ذلك ؟ وفي العمل بالأحاديث الصحيحة والالتزام بها والحرص عليها خير عظيم وفيه ماكفي وشفي ثم إن الله جل وعلا ذم الذين يتبعون الظن فقال: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)-النجم..}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.." رواه البخاري ومسلم.
فبارك الله فيك أختنا لسؤالك القيم هذا والذي اثري صفحتي لأنها مسألة ينبغي أن يحرص علي الإلمام بها من ينشروا احاديث للنبي وعلي لسانه-صلي الله عليه وسلم- في صفحاتهم أو مجموعاتهم بقصد أو بدون قصد ليزيدهم ليزيدهم حرصا علي التأكد من صحته وعفا الله عن أدعياء للعلم وحامل حطب الليل وغفر لهم ولنا تقصيرنا في الدفاع عن سنة رسول الله-صلي الله عليه وسلم- وجعله في ميزان حسناتك لمن قرا وتابع الرد وزاده الله بصيرة ورهبة من الكذب علي النبي –صلي الله عليه وسلم-وعمل بما فيه ولك أجر ذلك أن شاء الله بوركت أختنا.