الهجرة النبوية بين الحقيقة وأوهام القصاصينأن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المُهْتدي، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد... أحبتي في الله نستقبل غداً عاماً هجرياً جديد وكل عام هجري وانتم علي طريق الحق سائرين وبسنة رسول الله-صلي الله عليه وسلم-متمسكين وفي نشر الحق ومحاربة البدع بلا ملل أو كلل عاملين والله المستعان
وكالعادة في كل سنة هجرية جديدة يتداول الناس قصة الهجرة –هجرة الرسول –صلي الله عليه وسلم –مع أبي بكر الصديق-رضي الله عنه من مكة إلي المدينة وهي قصة عظيمة جليلة العبر والمعاني لقد كانت ابتلاءً وامتحاناً وقد قلبت موازين التاريخ، وغيَّرت وجه البشريَّة ولكن ما يعكر صفو الهجرة شطحات القصص والأكاذيب فتجد البعض من الناس يذكرون فيها قصة العنكبوت والحمامتين الذين سد مدخل الغار وهذه القصة تخالف صريح القرآن والسنة وهي موضوعة لا تصح وحديثها ضعيف ، في إسنادهِ عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ ولا يصح من ذهب لتحسين الحديث من بعض أهل الفضل لأن السند لا يحتمل التحسين وذلك لجهالة عثمان الجزري هذا، والدليل من القرآن أن الحمامتين والعنكبوت غير صحيحة أنها أمر محسوس ومشاهد والله تعالي يقول (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) )-التوبة
فكيف يقول تعالي (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) والحمامتين والعنكبوت محسوسة ومرئية للجميع
ولذلك ذهب أهل التفسير أنها الملائكة ، فما الداعي للعنكبوت والحمامتين بعد حفظ الملائكة؟!
والدليل من السنة حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، حَدَّثَهُ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا»-مسلم برقم/ (2381) وفضلاً عن الآية التي تنفي الرؤية من الأساس فما بالكم بمن هو داخل الغار نفسه وهو الصديق-رضي الله عنه- الذي لم يري شيئاً وهو القائل في متن الحديث للنبي خوفاً عليه" لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ "
يقول ابن العثيمين في شرحه للحديث ما مختصره: سمع المشركون بخروجه من مكة، جعلوا لمن جاء به مائتي بعير، ولمن جاء بأبي بكر مائة بعير، وصار الناس يطلبون الرجلين في الجبال، وفي الأودية وفي المغارات، وفي كل مكان، حتى وقفوا علي الغار الذي فيه النبي صلي الله عليه وسلم وأبو بكر، وهو غار ثور الذي اختفيا فيه ثلاث ليال، حتى يبرد عنهما الطلب، فقال آبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، لأننا في الغار تحته، فقال: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) وفي كتاب الله أنه قال: (ِلا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )(التوبة: من الآية40)، فيكون قال الأمرين كلاهما، أي: قال: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما))
وقال ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ). فقوله: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) يعني: هل أحد يقدر عليهما بأذية أو غير ذلك؟
والجواب: لا أحد يقدر، لأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع، ولا مذل لمن أعز ولا معز لمن أذل:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(آل عمران:26) وفي هذه القصة: دليل علي كمال توكل النبي صلي الله عليه وسلم علي ربه، وأنه معتمد عليه، ومفوض إليه أمره، وهذا هو الشاهد من وضع هذا الحديث في باب اليقين والتوكل. وفيه دليل علي أن قصة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التواريخ، أن العنكبوت نسجت علي باب الغار، وانه نبت فيه شجرة، وأنه كان علي غصنها حمامة، وأن المشركين لما جاءوا إلي الغار قالوا هذا ليس فيه أحد، فهذه الحمامة علي غصن شجرة علي بابه، وهذه العنكبوت قد عششت علي بابه، كل هذا لا صحة له، لأن الذي منع المشركين من رؤية النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر ليست أمورًا حسية_ تكون لها ولغيرها_ بل هي أمور معنوية، وآية من آيات الله عز وجل، حجب الله أبصار المشركين عن رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه، أما لو كان أمور حسية، مثل العنكبوت التي نسجت، والحمامة، والشجرة، فكلها أمور حسية، كل يختفي بها عن غيره، لكن الأمر آية من آيات الله عز وجل، فالحاصل أن ما يذكر في كتب التاريخ في هذا لا صحة له، بل الحق الذي لا شك فيه، أن الله _ تعالى_ أعمى أعين المشركين عن رؤية النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبه_ رضي الله عنه_ في الغار. اهـ
انظر رياض الصالحين /شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين / المجلد الأول / باب اليقين والتوكل
والحاصل مما سبق أن الإصرار علي نشر هذه القصة وتداولها في المواقع والمنتديات وصفحات التواصل فضلاً عن المنابر والدروس العلمية في المساجد وغير ذلك من وسائل النشر كذب علي النبي وعقوبة الكذب معلومة للقاصي والداني فالحذر من تداولها اللهم أني قد بلغت اللهم فاشهد.