قصة الشيخ صالح والأصحاب الثلاثة
"عبدالرحمن" و"وليد" و"عمر" ثلاثة فتيان، أصحاب وزملاء في مدرسة واحدة.
متقاربون في العمر ما بين 12 - 13 سنة، ويجمعهم رابط قوي من التعاون وإنكار الذات، كل واحد منهم يحب أخاه أكثر من نفسه، ورغم كل ذلك فهم يختلفون في كثير من الصفات الشخصية..
"عبدالله" كان يتميز بسرعة البديهة والذكاء، فضلاً عن قوة الشخصية والشكيمة، ومِن ثَمَّ كان الرأي الأخير الذي يتَّفق عليه الجميع له، ويستريح الجميع لمَشورته وفهمِه وحكمته.
"وليد" كان قوي البِنية، يحب الرياضة، وخصوصًا رياضة الجرْي والسباحة يمارسهما دومًا، ويخصِّص لهما من وقته الكثير.
"عمر" كان غير أصحابه، كثير الحياء، كثير القراءة والاطلاع، محبًّا للعلم، لا يتكلم كثيرًا، وإن تكلم فهو في حديثه صادق وأمين، ولا يقول إلا خيرًا، ويكثِر من ذكر الله تعالى دومًا.
وعلى الرغم من هذا الاختلاف الكبير في صفاتهم وطبيعتهم فإنهم يشتركون في أمر واحد جمَعهم معًا، وصاروا أصحابًا بسببه، وهو: حبهم للدين، واجتماعهم كل يومين - وبالتحديد يومي "الاثنين والخميس" - بعد صلاة العصر مباشرةً، يجتمعون عند معلمهم وشيخهم "صالح"، وبعد حضورهم جميعًا يبدأ الدرس لمدة ساعة كاملة، وربما أكثر حسب الأحوال، و"الشيخ صالح" رجل في الخمسين من عمره، يحفظ كتاب الله، ويبين لهم سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عجب من ذلك؛ فقد حصل في شبابه على شهادته من جامعة الأزهر، وهو إمام الناس وخطيبهم في المسجد الجامع "مسجد المدينة" في نفس المنطقة التي يقيم فيها "وليد" بمدينة السادس من أكتوبر، وبالتحديد في الحي العاشر منها، وجعلهم تلاميذه، يحفِّظهم كتاب الله، ويستشيرونه في أمر الدين والدنيا، ويثقون في رأيه وحكمته.
وقد خصص لهم هذين اليومين في بيته في مكان مخصَّص للضيوف، وقد سألوا الشيخ الذي يعلِّمهم - بلا مقابل مادي - أن يعطوه ما يطلبه من مال بناءً على توصية أهليهم الذين يثقون في علمه وأمانته؛ لما يضيع من وقته معهم، وما يظهر على أبنائهم من إتقان للحفظ، والورع والتقوى، ولكنه دومًا يأبى ذلك ويرفض بإصرار وعزة نفس شديدين، ويقول لهم: لا أفعل أبدًا.
ثم يستطرد: والله الذي لا إله إلا هو، لقد أنعم الله عليَّ بالكثير من النِّعَم، وأنا قانع بما أعطاني الله، وكما تعلمون - يا أبنائي - القناعة كنز لا يفنى، ولا يغيب عنكم الحديث الشريف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، وعلم ينتفَع به، وولد صالح يدعو له)).
وأنا في هذا العمر أترقَّب الموت في أي لحظة، وأريد أن يكون عملي هذا صدقةً وعِلمًا يفيدكم، وبالتالي يعود على نفسي بالحسنات الماحية؛ لأن الدالَّ على الخير كفاعله، وكفى بهذا ثوابًا وأجرًا من الله تعالى، وله الحمد والمنَّة.
فلا يملك الأصحاب الثلاثة إلا النظر للشيخ صالح نظرة احتِرام وتقدير، ويدعون الله له دومًا في صلاتهم له بطول العمر والبركة فيه، وبزيادة العلم والعمل النافع في دينِه ودنياه.
وليد والرجل المسكين
خرج "وليد" يمارس هوايته ورياضته المفضلة من منزله، وهو يعدُو في طريقه للاجتماع بأصحابه في بيت الشيخ "صالح" بعد أن صلى صلاة العصر في جامع صغير بجوار منزله، يصلي فيه أهل الحي الصلوات الخمس، أما يوم الجمعة فيذهبون للمسجد الجامع "مسجد المَدينة" للاستماع والاستفادة من علم "الشيخ صالح".
ومن حسن حظِّ "وليد" أن بيته لا يبعد كثيرًا من بيت الشيخ، عكس أصحابه "عبدالرحمن، وعمر"، يلزمهما ركوب وسيلة مواصَلات للمسافة الشاسعة بين منزلهما ومنزل الشيخ.
وفجأة توقف "وليد" عن العدْوِ، ورأى أمامه - على مسافة غير بعيدة - ما أذهله وألجمَ لسانه؛ رأى فتى في مثل سنِّه يضرب رجلاً كبير السنِّ، ويركله بقدميه بلا رحمة أو شفقة، ويوقعه أرضًا وهو يضربه بشدة، والرجل يرجوه أن يكفَّ عن ضربه، ويستعطفه أن يسامحه، والدموع تنزل من عينيه بغزارة، ولكن الفتى تطلُّ من عينيه نظرة كراهية شديدة، لم يرَ "وليد" نظرةً مثلها قطُّ، وأراد وليد أن يلقن هذا الفتى درسًا في الأخلاق ومعاملة الكبار باحترام، أراد أن ينصحه وينهره لضربه للرجل المسكين، وإن أبى النصيحة عزم على ضربه حتى يرتدِع، وليغير هذا المنكر البغيض.
وكان وليد يفوق الفتى قوةً، وبُنيانَه أضخم، وهذا ما شجعه على التقدُّم، ولكنه توقَّف في ذهول مما يرى على بُعد عشرة أمتار، وأثار دهشته وعجبه، ما حيره بشدة: أن الفتى بعد قليل جلس على ركبتيه، وأخذ يقبِّل يدَ الرَّجل ورِجله وهو يقول: لن أسامحك أبدًا.. أنا أكرهك ولا أعرفك!
تعجَّب وليد من فعل الفتى وقوله المتناقضين تمامًا.
والرجل يمسك بقميصه بشدة وهو ممدَّد على الأرض رغم ضعفه وسنِّه، وكأنما هو طوق النجاة له في بحر لجِّي يكاد يغرق فيه.
والفتى ينهره بغضب شديد: دعني وشأني.. دعني وشأني، إني أكرهك..
ولاحظَ الفتى وجود وليد قريبًا منه، ورأى الغضب على وجهه وجسده المتحفِّز، وخشي أن يؤذيه، فحرَّر نفسه من يد الرجل التي تُمسك به، واستطاع الإفلات من قبضته، وانطلقَ يعدو لا يلوي على شيء، ولا ينظر خلفه.
والرجل يتوسل ويزحف على قدميه الضعيفتين وبطنه، ويمدُّ يده وهو يصرخ بصوت واهنٍ كأنه يأتي من مكان بعيد: لا تذهب، سامحني أرجوك.. سامحني سامحك الله!
ثم سمعه وليد عندما اقترب منه لمعاونته على النهوض يقول ووجهه للسماء، رافعًا إصبع السبابة يشير إليها، ويقول والدموع تنهار على خديه بغزارة: لا إله إلا أنت، إني كنت من الظالمين.. لا إله إلا أنت، إني كنت من الظالمين..
اللهمَّ إني راضٍ عنه، فارضَ عنه وعنِّي، وتجاوز عن جرمه وجرمي.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، ثم سكنَت حركته، وقد تراخت يداه بجوارِه بلا حراك.
وأخذ الناس ينتبهون لما حدث، ويعْدُون نحو الرجل المسكين الممدَّد على الأرض بلا حراك، ويتكاثرون حوله، وبعضهم يرفع يديه إلى السماء وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
ظنَّ بعضهم أن الرجل قد مات، وهذا ما ظنه "وليد" أيضًا، والبعض الآخر يحاولون إفاقة الرجل وإنعاشه بلا جدوى، وما لبثَت أن جاءت الإسعاف، وحمَلوا الرجل العجوز إلى المستشفى.
وقال وليد يحدِّث نفسه: ولكن من هذا الفتى؟ ما اسمه؟ وما علاقته بهذا الرجل المسكين؟
لا أحد يدري.. لا أحد يعلم!
ولم يجد وليد فائدة من وقوفه، فمضى وهو يسرع الخطوات إلى أصحابه وشيخه الذين تأخَّر عليهم كثيرًا.
في منزل الشيخ صالح
شعر الشيخ "صالح" و"عمر" و"عبدالرحمن" بالقلق والخوف على "وليد"، خصوصًا بعد الاتصال بوالدَيه وقولهما: إنه خرج منذ فترة طويلة، ولما كانت المسافة قريبة لمنزل الشيخ كان الخوف أن يكون أصابه مكروه، مما أقلق قلوب الجميع.
وما لبث أن حضر وليد وهو يلهث، فأدخلوه إلى حُجرة الشيخ الذي بدا منزعجًا، وقال بصوت هادئ فيه رنة غضب: أين كنت يا وليد؟
ولما رأى الشيخ اصفرارَ وجهِهِ وإرهاقه الشديد انزعج، وقال في حنان أبوي: ماذا بك يا ولدي؟ وأجلسه بجواره وهو يربت على كتفيه ليهدئ من روعه.
فبادر وليد فقال: أنا آسفٌ حقًّا، ولكن رأيت مشهدًا في طريقي إلى هنا لن أنساه أبدًا ما حييتُ، ثم روى ما شاهده وسمعه، والجميع ينصت إليه في اهتمام وذهول عجيبين.
وبعدما انتهى وليد ظلَّ الصمت يخيم على الجميع، وقطعه الشيخ "صالح" وقال: إنه لأمر عجيب، لعلَّ هذا الفتى يعرف الرجل وقد آذاه.
ثم نظر "لوليد" وقال: هل أنتَ واثِق أنه مات؟
قال وليد: هذا ما أظنُّه، والعلم عند الله.
قال الشيخ بقلق: لو كان المسكين قد مات ينبغي يا وليد أن تُخبر الشرطة بما حدث؛ فشهادتك مهمة، وقد تُساعدهم، ولكن بعد أن نتأكد من ذلك، ولا ريب أن الخبر سينتشر، وحتى ذلك الحين فلا ينبغي أن نُسيء الظن بأحد؛ فإن بعض الظن إثم، وعلى كل حال ما حكاه وليد من ضرب الفتى للرجل المسكين لا يجيزه الشرع؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرَنا، ويوقِّر كبيرَنا))، وحتى لو كان الرجل مُخطئًا في حق الفتى الذي لا نَعرف قصته، فلا يباح له ضرب من هو أكبر منه في السنِّ، ثم استطرد الشيخ "صالح" وهو ينظر لتلاميذه: فليكن هذا لكم جميعًا عبرة وعظة، ثم ابتسم لهم بحنان أُبويٍّ وقال: ومن يدري، لعل الأيام تكشف ما خفي عن الجميع؟! ودَعونا نستغل ما بقي من وقت فيما يخصُّنا من حفظ القرآن ودراسة العلم.
ووافق الجميع وانهمكوا فيما جاؤوا من أجله.
خرج الجميع بعد انتهاء الدرس من منزل الشيخ إلى بيوتهم، وقد اقترب موعد صلاة المغرب، وصاحبَهم وليد إلى مكان المحطة القريبة من المسجد الجامع ليطمئن على سلامة أصحابه وركوبهم السيارة الخاصة بهم؛ فبيته قريب، ولن يتأخر على العودة كثيرًا، وفي الطريق إلى المحطة أخذوا يتحدثون عن الدرس وفوائده، وتطرق الحديث للحادثة التي رآها وليد، وبينما هم كذلك صاح وليد: انتظروا.. انتظروا، توقَّف الجميع وقال عبدالرحمن: ما الأمرُ يا وليد؟
قال وليد: لقد رأيتُ الفتى.. الفتى الذي أخبرتكم قصته، رأيته الآن!
نظر أصحابه وهم يتأملون الناس، وقال عبدالرحمن: أين؟
وأشار وليد إلى المسجد الذي يبعد عنهم خطوات: رأيته يدخل المسجد الجامع الذي يخطب فيه الشيخ "صالح"، أُقسم بالله تعالى إنه هو بنفسه، لا يمكن أن أنسى وجهه، وبدأ من صوته رنة غيظٍ، وأراد الدخول إلى المسجد وضربه، فمنعه "عبدالرحمن" وقال:
رويدك يا وليد، اكتم غيظك، وهدِّئ من غضبك؛ فإن الغضب من الشيطان، ولا تنسَ قوله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
ثم نحن لا ندري الحقيقة، كما قال الشيخ "صالح"، فلا تتعجل الأمر، فما حدث قد حدث، كما أنه داخل المسجد، وبيت الله تعالى له حرمة، وليس مكانًا للعراك، ودخوله المسجد يدلُّ على طبيعته وخوفه من الله تعالى، ولو كان شريرًا ما دخل المسجد أبدًا.
كان كلامه منطقيًّا، فبادر عمر وقال: نعم "عبدالرحمن" على حق، والحكمة تقتضي أن نتروى حتى لا نظلم أحدًا، ولندخل المسجد، ولتجلس أنت بعيدًا يا "وليد"؛ فهو قد يتذكَّرك إن كان لاحظَ وجودك عندما ضرب الرجل المسكين، فقد كنتَ على مسافة قريبة، ودعْنا نحن نستطلِع خبره، ثم يذهب بعضُنا ليستشير شيخَنا في أمره.
دخل الجميع المسجد، وأشار وليد لفتى جلس في ركن من المسجد ويمسِك بيديه مصحفًا يقرأ ويبكي.
اقترب "عمر وعبدالرحمن" منه، ونظَرا إليه خلسة، كان في الثانية عشرة من عمره، وفي سنهما تقريبًا، وصلى كلٌّ منهما بالقرب منه ركعتين تحية المسجد، كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم، قبل الجلوس.
وبعد الصلاة اقترَبا من الفتى وسلَّما عليه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردَّ عليهما بصوت ضعيف وهو يمسح دموعه بيدَيه.
وكان المسجد خاليًا لا يوجد فيه إلا القليل من الناس ممَّن حضر قبل صلاة المغرب.
ولاحظَ الفتى أن "عبدالرحمن وعمر" ينظران إليه، وأراد أن يقوم، فبادر "عبدالرحمن" وقال: عفوًا أخي الكريم، أرى في وجهك علامات الحزن، والدموع تملأ عينيك، أريد أنا وصاحبي مساعدتك بأي شيء تريده، وكما تعلم أن نبينا يقول: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومَن ستر مُسلمًا ستره الله يوم القيامة)).
قال الفتى: شكرًا لك، شكرًا لك... أنا بخير والحمد لله.
فقال "عمر" ليساعد صاحبه لبلوغ هدفهما في معرفة حقيقة العلاقة بين الفتى والرجل المسكين الذي ضربه: اسمع يا أخي، يقول ربنا - جل وعلا - في كتابه الكريم: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].
وأنا وصاحبي نُريد أن نساعدك بقدر ما نستطيع ليذهب حزنك وهمُّك.
قال الفتى: أنا شاكر لكما نيتكما لمساعدتي، ولكني لا أرغب في الحديث، رجاءً اتركاني وشأني.
لم يكن هناك ما يقال؛ فقد أغلق الفتى باب التواصُل، ثم أدهشَهما ما حدث بعد ذلك، فماذا حدث؟
وضَع الفتى المصحف في مكانه، وقبل أن ينصرف وجد نفسه وجهًا لوجه أمام وليد الذي أدرك فشل محاولات أصحابه في استمالته.
لم يتذكره الفتى على الفور، ولكن "وليد" اطمئنَّ تمامًا لملامحِه، وقال بصوت مسموع هادئ: إنه أنت؟
قال الفتى: أنا ماذا؟
قال وليد: أنت هو من ضرب الرجل العجوز المسكين في الشارع، وتركته وهو يتوسَّل أن تسامحه ولم تنظر خلفك، ولم تأخذْكَ به شفقة أو رحمة.. لماذا؟
قال الفتى وقد تذكَّر "وليدًا" ووقوفه وتركه للرجل المسكين بسبب خوفه أن يضرَّه بشيء، وقال: ومَن أنت؟ وما شأنك بنا أنا وأبي؟
تدخَّلَ عبدالرحمن في الحوار وقال: كان أباك! يا ويلك، أهكذا تُعامل أباك؟! وأي ذنب يبيح لك ضربه وتركَه وهو يترجاك حتى مات.
فقال الفتى بصوت منفعِل سمعَه بعض الموجودين الذين زاد عددهم مع قرب أذان المغرب: مات أبي! مات أبي! مستحيل!
قال وليد بغيظ: اهدأ، هذا ما أظنه - والله أعلم بحالته - لقد حملوه في سيارة إسعاف إلى المستشفى لا حراك فيه، وكأنما فارق الحياة، ولقد سمعت كلماته الأخيرة قبل أن ينطق بالشهادتين.
أمسك الفتى بكتف وليد بقسوة: أخبرني ماذا قال! فأخبره وليد أنه سمعه يقول: اللهم إني راضٍ عنه، فارضَ عنه وعني، وتجاوز عن جرمه وجرمي، وقد صدمه أن الفتى يتكلم من قلبه، قلب محبٍّ جريحٍ حقًّا، تخرج كلماته في صدق لا يمكن أن يكون هذا تمثيلاً، يكاد يقسم إن هذا الفتى يحب أباه حقًّا، لكن ما رآه بعينه شيء، وما يسمعه الآن شيء آخر تمامًا، وأراد أن يقول شيئًا ولكن الفتى لم يمهله، فقد وقع مغشيًّا عليه في قلب المسجد.
الحقيقة الأليمة
ذهب "عبدالرحمن" ليحضر الشيخ "صالح" الذي كان يستعدُّ للخروج لصلاة المغرب في المسجد لإمامة المصلين، وتعجب من عدم عودته للمنزل إلى الآن، وأبلغه "عبدالرحمن" بالأمر ثم عاد إلى أصحابه ينتظرون حضوره.
وأحاط الموجودون بالفتى محاولين إفاقته، وقال بعضهم: مسكين هذا الفتى، سمع خبر موت أبيه فأُغمي عليه من الصدمة.
وقال غيره وهو ينظر نظرة عِتاب إلى وليد: لقد رأيتك تكلمه يا فتى، فما شأنك به؟!
لم يردَّ "وليد"، وظل صامتًا، وجلس وأصحابه في انتظار حضور الشيخ صالح وكأنَّ على رؤوسهم الطير في ذهول مما حدث.
حضر الشيخ "صالح"، فوسع له الحاضرون لمعرفتهم به؛ فهو إمام المسجد ومعلمهم، وجلس الشيخ يتأمل الفتى، ويقرأ عليه القرآن؛ ففيه شفاء من كل داء، وأخذ يدعو ببعض الأدعية النبوية الشريفة، وما لبث الفتى أن أفاق وهو ينظر حوله، ولما استعاد كامل وعيهِ وأدرك وضعه بكى بكاءً مرًّا.
ومرَّت فترة حتى استجمع الفتى رباطة جأشه، وسكنت نفسه؛ لما يراه ويسمع من كلمات تحثُّه على الصبر والرضا والقناعة وحسن الظن بالله تعالى، فاعتدل وشكرهم جميعًا، ثم توضأ لصلاة المغرب التي حان وقتها، وبعد الصلاة أخذ الشيخ والأصحاب الثلاثة الفتى في ركن من أركان المسجد بعيدًا عن الناس، وقال الشيخ صالح للفتى: أخبرني باسمك يا ولدي.
قال الفتى: اسمي: "زياد".
قال الشيخ: اسمع يا زياد، أنا لا أدري حقيقة قصتك مع أبيك، ولكن ما حكاه لنا "وليد" من ضربك إياه خطأ كبير.
ثم سكت الشيخ برهة ينظر "لزياد" وعلى شفتيه ابتسامة حانية، ثم قال: اسمع يا ولدي، يقول تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِياهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا إِمَّا يبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((من الكبائر شتم الرجل والديه))، فما بالك يا "زياد" بضربه وإهانته أمام الناس؟!
قال "زياد" وهو يبكي: أعلم.. أعلم، ولكني تسبَّبت في موته، اللهم سامحني، واغفر لي ولأبي.
قال الشيخ صالح وقد رقَّ قلبه للفتى: لا بأس يا ولدي؛ فالله رحيم وكريم، ويعفو عن الخطأ طالَما العبد يتوب إليه ويدرك جرمه، ويحسنُ الظنَّ به، ثم وليد غير واثق من موت أبيك، وإن شاء الله خيرًا.
واستمر الشيخ في موعظته، وطال الوقت حتى شعر "زياد" بالسكينة، وحانت صلاة العشاء، فقال الشيخ صالح: اسمع يا ولدي، أراك ضعيفًا، ولعلك جائع، فهل تقبل ضيافتي في بيتي بعد صلاة العشاء وتُخبرني بقصتك مع والدك؟ فربما أستطيع مساعدتك، ولعل وعسى أُخففُ عنك بعض ما تجده في قلبك من ألم وحزن.
هنا قال "وليد" - بعد أن استأذن الشيخ ليتكلم -: يا "زياد"، أنت أخي في الله، وقد رأيتك ترتكِبُ ذنبًا لن أنساه ما حييت، ويحزُّ في نفسي أن أظلمك دون أن أسمع قصتك وعذرك.
ابتسم "زياد" وقال لوليد: وأنا أجلُّ موقفك النبيل تجاه ما رأيتَ، وأعترف بالخطأ، وأسأل الله لي ولأبي الرحمة والمغفرة من أخطائنا.
وصلى الجميع صلاة العشاء، وبعد الصلاة خرج الجميع من المسجد يتصافحون، وذهب الشيخ مع زياد إلى بيته، وسمح للأصحاب الثلاثة بالحضور بعد أن طلب زياد ذلك؛ فقد وجد أن لهم الحق بعدما فعلوه ليسمعوا الحقيقة.. حقيقة ما رآه وليد بين الفتى وأبيه.
وحتى لا يقلق أهل الأصحاب الثلاثة لم ينسَ الشيخ "صالح" أن يتصل بهم شخصيًّا ليطمئنَ الجميع عليهم، وأنهم تحت رعايته في بيته.
حكاية زياد وأبيه
بدأ زياد يحكي قصَّته والجميع ينصت له باهتمام، فقال: كان أبي تاجرَ أقمشة ميسور الحال، وتجارته رابحة ورائجة عندما تزوج أمي.
وكان يحب أمي حبًّا جمًّا، وكانت أمي كذلك.
وكان ثمرة هذا الحب أنا، ولكن كان الحمل ثقيلاً عليها، وأصابها بالضعف، فلم تتحمل صحتها فماتت - رحمها الله - ولم يسعفها الوقت لتحملني وتضمَّني إلى صدرها الحنون كما تفعل كلُّ أم.
ماتَت ورحلت عن دنيانا قبل أن تنظر لوليدها الذي خرج للدنيا يتيم الأم، ماتت أمي عند ولادتي مباشرةً، وصُدم أبي بوفاتها، ولم يصدق، وكان ينظر لي وكأنما يقول لي: أنت السبب، مع أن الأعمار بيد الله تعالى.
وظل يعاملني وهذا الشعور يلازمه دومًا كلما تذكر أمي، ويحرمني من كل شيء رغم أنني ابنه الوحيد، وأول وآخر العنقود، دون سبب لذلك إلا هذا الشعور بأني السبب في موتها.
وكنت أدرك أنه يكرهني رغم أنه لا حيلة لي فيما جرى، ورغم مرور كل هذه السنوات، فما زال يتذكر أمي ويعاملني معاملة سيئة، ويحرمني من أبسط الحقوق، وكنت أشعر أنني يتيم الأب والأم معًا، لم أَشعر بحنانه يومًا؛ لأنه لم يكن يعبأ بما يصيبني.
إذا مرضتُ لم يكن يهتمُّ برعايتي، وإن كان يأتي بطبيب من باب الشفقة ومسؤوليته عني أمام الله تعالى، لكن لم يشعرني يومًا بأنني ابنه، بل كان يتجنَّبني مخافة أن أُذكِّره بأمي.
وكلما اشتدَّ غضبه يقول: بسببك ماتت أمك، إنك جئتَ إلى الدنيا لتُصيبَني بالهم والغم، إنك فألٌ سيئ، ثم يسترجِع ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وكان هذا يحزنني بشدة، ولكن كنتُ أشكو حزني إلى الله تعالى، وأدعوه أن يهدي أبي، ويصبِّره على قضائه.
ولكن أبي لعبَ الشيطان بعقله، فبدأ يدمن شربَ الخمر، وهي أم الخبائث؛ كي ينسى حزنه، ويصاحب رفقاء السوء، ويذهب إلى أماكن لا يرضاها الله، فبارَت تجارته، وضعفَت صحته، وكثرت ديونه، وكنت دومًا أتحاشى غضبه حتى لا يتذكر أمي، ثم حدثَت الطامة الكبرى التي أثارت حفيظتي!
لقد أخرَجني من المدرسة لعدم قدرته على سداد مَصاريفها، ولم تكن حالته تسمَح له برعايتي أو رعاية نفسه التي يلقي بها إلى التهلكة بإدمانه للخمر، التي يستدين ليشتريها، ليسكَر، لينسى همَّه وغمه.
كنتُ أدعوه ليستعين بالله ويتوكَّل عليه، لعلَّ وعسى يشرح صدره، ويلهمه الصبر، فيضحَك ويسخَر منِّي، وربما صفَعني وطرَدني من البيت، ولكني أعود إليه بعد أن يفيق من تأثير الخمر عليه، أو يغلبه النوم، فأتسلَّل إلى غُرفتي، وأظلُّ أبكي، ولا أنام إلا من التعب والإرهاق.
وكنتُ ضائعًا؛ لا تعليم ولا استقرار، ولا حنان أم، ولا رعاية من أب، ولم ينقذني إلا عمي الذي خاف عليَّ من مصير مظلم، وطلب من أبي أن يأخذني لبَيته ويرعاني، ولن يكلفه شيئًا، فلم يستطع أبي أن يرفض، طالما أنه لن يكلفه شيئًا، وحتى لا أذكِّره بأمي كلما عاد إلى البيت مخمورًا.
وكان عمي رجلاً صالحًا يعرف الله ويواظب على الصلاة، ويكثر من ترتيل القرآن، ويخاف الله تعالى، وأعادَني إلى المدرسة، وتكفَّل بمَصاريفي كلها رغم تواضُع حالته، فلم يكن ميسور الحال كأبي، ولم تكن له تجارة، بل كان موظف أمن في شركة خاصة، راتبُه يكفيه لمتطلبات المعيشة، ولكنه كان يكافح بأي عمل إضافي حلال ليعين أسرته على متطلبات الحياة راضيًا وحامدًا نِعمة الله عليه، ولا يمد يديه للحرام، وعاملني كابن من أبنائه.
ولأول مرة أشعر بالراحة والسكينة، ولأول مرة لا أسمع كلمات العِتاب والتأنيب، فأحببته وأحببتُ صلاحه وتقواه، وأحببت أسرته وأولاده جميعًا، ولم يعكر صفو هذه العلاقة إلا أبي!
قال الشيخ مقاطعًا: وكيف أفسد أبوك علاقتك بعمِّك؟
قال زياد: عندما زادت ديونه للتجَّار بسبب عدم التزامه بشراء ما طلبوه من أقمشة، بسبب إهماله لعمله، طالبوه بأموالهم التي أخذها كعربون، وإلا أبلغوا عنه وحبسوه، فخاف أبي، فكان يستدين، وجاء لعمي يستدين منه، فأبى أن يعطيه شيئًا، وإن أشفقَ على حاله وطلب أن يعينه بعلاجه على نفقته من الإدمان، لعلَّ وعسى يعود إلى رشده، ويصلح حاله، وتزدهر تجارته، ولكن أبي سبَّه وأهانه، ولم يكتفِ بذلك، بل ذهب إلى مدرستي وطلب إخراجي منها، وأخذ المصروفات التي دفعها عمي ليشتري الخمر التي أدمنها بشدة، واكتشفتُ ذلك عندما ذهبت إلى المدرسة وأخبروني بأنه لا مكان لي، وأن هذه رغبة أبيك، فجنَّ جنوني، ولكني لم أخبر عمي، وأردت استرجاع المال الذي أخذه.
ثم انتظرته عندما خرج من بيته وهو في حالة سُكر، فاعترضته في الطريق، وطلبتُ منه رد المال الذي أخذه، فأبى وسبَّني، ولم أتمالك نفسي من الغضب، فدفعته وضربته، وهذا ما رآه "وليد"، ويا ليتني لم أفعل.. يا ليتني متُّ قبل هذا.
يا ويلي من عذاب الله وانتقامه.
ماتت أمي بسببي، ومات أبي أيضًا بسببي!
ولم أشعر يومًا بحنان أمي، ولا حب أبي، أي ذنب يا رب ارتكبته ليكون هذا مصيري؟! وبدأت دقات قلبه تتسارع بشدة، فأشفق عليه الأصحاب الثلاثة.
وضمه الشيخ إلى صدره وهو يقول: رويدك يا "زياد" لا تقسُ على نفسك يا ولدي، كن من أهل هذه الآية: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 156، 157]، قُلْها يا ولدي من قلبك.
إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارحم أبي واغفر له، اللهمَّ ارحم أمي، قالها "زياد" ودموعه تسيل بغزارة.
فقال الشيخ صالح: يا" زياد"، عفا الله عنا وعنك وغفر لنا ولك، إننا جميعًا من هذه اللحظة أصدقاؤك، ولكن...
قالها وتنهَّد بعمق ثم قال: ولكن غيابك طال عن عمِّك، ولا بدَّ أنه قلق عليك، كما أنه قد يكون عنده خبر عن أبيك بحكم القرابة بينهما، فهل تعرف رقم تليفونه لتتَّصل بهم ليطمئن قلبه؟
قال زياد: نعم، كيف غاب عني ذلك؟! ها هو رقم تليفون بيته، وما أن ذكر "زياد" الرقم حتى بادر الشيخ بالاتصال، ثم سمع من يرفع السماعة ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، من معي؟
قال الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، معذرة للإزعاج، هل أنت عم "زياد"؟!
بارك الله فيك، "زياد" في بيتي، وهو بخير، وتقبل مني عزائي في وفاة أخيك.. و..
صمت الشيخ وأخذ يستمع لعم "زياد" باهتمام وذهول شديدَين أثارا التوتُّر بين الجميع وهو يتعجب ثم يقول: الحمد لله.. الحمد لله، كنا نظنُّ غير ذلك، ثم قال بعد برهة: فهمتُ - بارك الله فيك - سأُخبره، وعنواني هو... (وذكر الشيخ عنوان منزله)، ثم قال: وسأنتظرك إن شاء الله.. نعم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وأنهى الشيخ المكالمة، ولم يفهم أحد مضمون المكالمة، وتعلقت الأنظار بالشيخ الذي نظَر للجميع وهو يبتسم، ويلقي عليهم الخبر السار، صاح الجميع بسعادة: والد "زياد" لم يمُت! الحمد لله.. الحمد لله!
وبادر "زياد": هل أبي على قيد الحياة؟
قال الشيخ: نعم، أخبرني عمك بذلك، وأنه أفاق في المستشفى من الغيبوبة التي أصابته بعدما حدث بينكما، في الوقت الذي ظن "وليد" أنه قد مات، والأطباء يعالجونه، وكتب الله له عمرًا جديدًا، وقد ذكر اسمك عندما أفاق، وأعطى إدارة المستشفى رقم تليفون عمك، واتصلَت به، وهو الآن معه، وقال: إن أباك بخير، وهو قلق على غيابك، وظن أنك قد أصابك مكروه.
قال الجميع: الحمد لله.. الحمد لله.
قال الشيخ: وعمومًا الخير كله فيما يريده الله، واسمع يا "زياد"، نصيحتي لك قبل أن يأتي عمك وتتركنا، لا ريب أن أباك قد أخطأ في حقك، وخان الأمانة التي استرعاه الله إياها، ولكنه أبوك شئت أم أبيت، وله عليك حق في إكرامه ورعايته وبره، فلا تقع في نفس خطئه.
قال "زياد": بارك الله فيك يا شيخ "صالح"، إني أعلم حق أبي، وإني أسامحه، وأسأل الله أن يشفيه ويهديه للحق، ويجمع بيننا على طاعته.
قال الشيخ: حسنًا يا ولدي، واعلم أن بيتي مفتوح لك، وهؤلاء أصحابك، فشاركنا إن شئت في اجتماعنا لدراسة العلم وحفظ القرآن.
نظر زياد للجميع نظرة عرفان وتقدير وقال: جزاكم الله خيرًا، جزاكم الله خيرًا.
ثم سمع الجميع جرس البيت يرنُّ، فقال محمود: لا بد أنه عمُّ "زياد"، وقد كان، فرحب به الجميع، وكانت فرحة "زياد" بلقاء عمه الطيب الحنون الذي عوضه بالحب عما افتقده منذ ماتت أمه - رحمها الله - فلم يملك إلا أن احتضن عمه وبكى.
فقال عمه: لا بأس يا "زياد"، كل شيء سيكون بخير، لقد عاد لأبيك رشدُه، وتعلم من هذه التجربة المريرة، وقد أخبرني بكل شيء، وهو نادم، ويشتاق لرؤيتك مجددًا ليعوِّضك عما فات، وثِق بي عندما أقول لك ذلك؛ فهو أخي وأعرفه حق المعرفة، وهو يتكلم من قلبه بصدق؛ فقد تغير كليًّا.
ثم نظر عمه للجميع، وشعر بمدى الألفة والمحبة التي عامل بها الجميع ابن أخيه "زياد"، فشكرهم جميعًا، خصوصًا الشيخ صالحًا.
واستأذن زياد وعمه بالانصراف، وأخذ "زياد" يصافح الجميع بحب وامتنان، وقال "وليد": سننتظرك يومي الاثنين والخميس، لا تَنسَ.
قال الشيخ "صالح" ضاحكًا: نعم لا تنسَ، وحضورك مِن دواعي سُروري، والشرف لي يا زياد.
قال "زياد": شكرًا لكم جميعًا، شكرًا لكم جميعًا، وسأفعل إن شاء الله.
وصافح زياد الجميع، وأخذ الشيخ يشيع ضيوفه لباب الدار، ثم قال موجهًا حديثه لزياد: سامح أباك، واستر عليه، وتوكل على الله؛ فمَن توكَّلَ عليه كفاه.
نظر "زياد" للشيخ "صالح" نظرة تقدير واحترام: سأفعل، جزاك الله خيرًا،
ثم خرج وقد بَدأ قلبه الصغير تدبُّ فيه الحياة.
حياة جديدة غير التي كان يحياها، حياةافتقدها منذ ماتت أمه، حياة أضاءها رجاء قلبه الصغير بحب عمه وأصحابه الثلاثة "عبدالرحمن وعمر ووليد"، وهذا الشيخ الجليل "صالح"، واشتاق قلبه الصغير لأبيه بعد كل ما حدث؛ فهو أبوه، وسيظل كذلك دومًا.
تمت بحمد الله.