(2)الجزء الثاني من بحث "الربا بين التحليل والتحريم
الحمد لله رب العالمين وكفي والصلاة علي من اصطفي وبعد. نطرح هنا فتاوي بعض أهل العلم من الازهريين الذين أباحوا الربا المحرم باجتهادهم الفقهي ونقولها في وضوح لا لبس فيه وضع الأموال فى البنوك الربوية مقابل فائدة محددة سلفًا من البنك مع ضمان رأس المال كما هو من الربا الصريح الذى نزل القرآن بتحريمه، ومحاولة بعض أهل العلم تصوير ذلك بأنه استثمار وحلال محاولة باطلة تبطلها أدلة الكتاب، والسنة، والإجماع، والواقع المعروف لعمل البنوك ووظيفتها كما بينا ذلك في الجزء الأول من البحث ، والبنوك الربوية صناعة يهودية كما لا يخفي ولذلك لا يتصور عقلاً أن تراعى فيه الحدود الشرعية، ويجدر هنا ذكر قول ابن المنذر رحمه الله: "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة" .انتهي
-بيان اقوال المحللين وادلتهم:
1-قال الدكتور شوقى علام مفتي الجمهورية فى فتوى له عن فوائد البنوك "إن القرض المحرَّم هو الذى يستغل حاجة الناس، أما البنك فلا، لأن البنوك لا تحتاج استغلال الناس، فالعبرة فى العقود للمعانى وليس للألفاظ، فالعلاقة ليست علاقة قرض بين البنك والمودع، بل هى استثمار، إذن ما يأخذه العميل فى إطار الربح حلال"
وفى فتوى رسمية لدار الإفتاء المصرية عن فوائد البنوك، قالت "إيداع الأموال فى البنوك لاستثمارها فى تمويل المشروعات الكبيرة، وأخذ عائد استثمارى عن المبلغ المودع يجوز و" إن كان محددًا"، كما أجازت للبنك أن يأخذ العائد المتفق عليه مع أصحاب المشروعات الكبيرة التى يتم تمويلها، "باعتبار ذلك استثمارًا وليس قرضًا، ولذا فهى من العقود الجديدة غير المُسماة التى يجوز استحداثها".
2-وقال الدكتورعلي جمعة مفتي الديار المصرية و أستاذ أصول الفقه السابق
أنه يجوز اخذ الفائدة، فائدة الارباح، على الاموال المودعة لدى البنوك، لأن الواقع النقدي تغير، وغطاء العملات لم يصبح كالسابق بالذهب والفضة، وأنه مع فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، التي تجيز تحديد قيمة الأرباح مقدماً على الأموال المستثمرة في البنوك، مع تأكيده على أن هذه المسألة خلافية بين العلماء وليست نهائية.
-وبتتبع أقواله أوضح فضيلته في بعض ما قاله " أن الادعاء بأن التعامل مع البنوك حرام هو إجهاض لاقتصاد الأمة وتخريب لمشاريعها التي تعتمد أساساً علي المدخرات العائلية التي اتجهت إلى البنوك طواعية وبدون إلزام ولا إجبار, وانتقاء الأوعية الادخارية المختلفة التي تتناسب مع ظروف كل مدخر، وقال إن أهم ما تتسم به هذه المنظومة هو الرضا والقبول فأين الحرام؟
قلت:والعجيب أن الدكتور "علي جمعة" كان يفتي قبل توليه لهذا المنصب بحرمة التعامل مع البنوك الربوية، سواء أيام كان يعمل في السعودية أو في مصر، ثم أصدرت تلك الفتاوى مؤخراً واتهم فيها من يحرم ربا البنوك بالجهل!! -في تصريح له- وهم عامة علماء الأمة المعتبرين من الأحياء والأموات من فقهاء الشريعة، وفقهاء الاقتصاد.
ومما لا يخفي أنه سبق لفضيلة الدكتور "محمد سيد طنطاوي" عندما كان مفتياً للجمهورية قال: أن كل معاملة تتم باختيار الطرفين ورضائهما المشروع وليس فيها غش أو استغلال أو ظلم أو غير ذلك مما حرمته شريعة الإسلام هي معاملة حلال, إذ لا تحريم إلا بنص شرعي..انتهي
ونعلم جميعاً صدامه مع شيخ الأزهر "جاد الحق علي جاد الحق "الذي حرمها تحريماً قاطعاً مما جعل الناس في حيرة بينهما ومما قاله" جاد الحق شيخ "شيخ الأزهر الراحل: إن الاستثمار بإيداع الأموال فى البنوك بفائدة محددة مقدما أو بشراء شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة مقدما قرض بفائدة، وبهذا الوصف تكون الفائدة من ربا الزيادة المحرم شرعا، أما الاستثمار دون تحديد فائدة مقدما بل يبقى خاضعا لواقع الربح والخسارة كل عام فهو جائز شرعا، لأنه يدخل فى نطاق عقد المضاربة الشرعية، والربح والاستثمار بهذا الطريق حلال، موضحًا أن العائد من الاستثمار بالطريق الأول حرام، باعتبار أن فائدة الشهادات محددة مقدما فهى من ربا الزيادة، وبالطريق الآخر حلال، باعتبار أن الربح غير محدد بل يتبع الواقع من ربح وخسارة، ويتعين على المسلم أن يتخلص من الفائدة المحرمة بالتصدق بها ولا تجب عليها زكاة.انتهي
وهناك غيرهم ممن أباحها وكلها لا تستند لأدلة صريحة وأحب أن اسجل هنا رأي عالم جليل أزهري حتي النخاع هو فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي ـ رحمه الله ـ قال:
من العجيب أن نرى ونسمع أناسًا ينسبون إلى العلم يحاولون جاهدين أن يحللوا ما حرم الله.
ولا أدري لماذا يصرون على ذلك، إلا أن يكونوا قد أُولعوا بالحداثة والعصرنة التي تحاول جاهدة أن تهبط بمنهج السماء إلى تشريع الأرض.
ومن العجيب أن نرى من يقولون بأن الربا المحرم هو الأضعاف المضاعفة بنص القرآن … ولم يفرقوا بين واقع كان سائدًا وبين قيد في الحكم، وكأنهم لم يقرأوا القرآن: (فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (جزء من الآية: 279 من سورة البقرة) فلا ضعف ولا أقل من الضعف فضلاً عن المضاعفة يقبله هذا النص.
ولست أدري أيضًا ما الذي يمنع البنوك التي تقول إنها استثمارية من أن يحسبوا العائد الفعلي على أموال المودعين مع تقدم أدوات الحساب تقدمًا لا يتعذر معه الصعود والهبوط بالعائد حسب واقع التعامل.
وأعجب أيضًا أن تكون البلاد التي صدرت الربا لنا تسعى الآن بقول علماء الاقتصاد فيها إلى خفض الفائدة إلى صفر.
وإذا كان بعض العلماء قد قال بالتحليل وجمهرة العلماء لا تزال تقول بالتحريم فلنسلم جدلاً أن العلماء في الإسلام انقسموا حول هذه المسألة بالتساوي تحليلاً وتحريمًا، فما حكم الإسلام في الأمور المشتبهة التي تقف بين الحلال والحرام ؟.
هل قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ذلك: فمن فعل ما شبه له فقد استبرأ لدينه وعرضه ؟ أم قال: فمن اتقى الشبهات.
وأنا – والله يشهد – أربأ بمنسوب إلى علم الإسلام، أن يرضى لنفسه أن يكون ممن لم يستبرئ لدينه وعرضه.
ولو أن هؤلاء حَكَّموا عقولهم وأفهامهم وأنصفوا أنفسهم لقالوا بالتحريم . وتركوا الضرورة التي يتحملها صاحب الأمر فيها هي التي تبيح ما يريدون …والمالك للضرورة وعدمها يتحمل كل ذلك في عنقه. وبذلك لا يكون فيمن حلل حرامًا لأنهم يعلمون جيدًا الحكم فيه.
وأسأل الله أن يجعل لا قضية الربا وحدها ولكن كل القضايا المخالفة لمنهج الإسلام تأخذ هذه الضجة حتى نستريح ممن قال فيهم الرسول وإن أفتوك وإن أفتوك وإن أفتوك.
انتهى –نقلاً من كتاب فوائد البنوك هي الربا المحرم-للشيخ القرضاوي
وبعد أن أدركنا وظيفة البنوك وآليتها في توظيف الأموال وزيادتها ومهما اختلفت التسميات والآراء في وصف الفوائد الربوية فهي عند أهل القانون الذين يرون أن العلاقة بين المودع والبنك وبين البنك والمستثمر هي قرض، ويرون الفائدة التي يأخذها البنك من المستثمر هي نفع نتج من الإقراض، أو عند أهل الاقتصاد الذين يقولون إن العلاقة هي الاستثمار، وإن الفائدة من قبيل العائد الاستثماري الثابت، وعليه يكون البنك وكيلا عن المودع في استثمار هذه الأموال، والعائد الاستثماري تم الاتفاق عليه بالتراضي بين البنك والمودع، وعند الفقهاء أو عند العلماء أصحاب القول الآخر الذين حللوها كالدكتور علي جمعة وفضيلة الشيخ سيد طنطاوي والدكتور شوقي علام وغيرهم الذين قالوا أن هذه المعاملة لا تخضع لأي نوع من أنواع العقود المسماة التي ورد بشأنها التحريم، وهي معاملة نافعة للأفراد والمجتمع وليس فيها استغلال أو غش أو خداع وهي برضا الطرفين واستثمار إلي أخره دون النظر للأدلة الصريحة فقط الاستحسان والرأي.
ونقول بكل وضوح كل هذا لا ينفي البته ولا يمكن فصله عن القاعدة الفقهية "كل قرض جر نفعاً فهو ربا"
والتراضي وعدم الأجبار أو الالزام بين العميل والبنك التي يتحدثون عنها لنفي شبهة الربا لا تحل الحرام ومثال علي ذلك لو اشتريت أنا باختياري زجاجة خمر من محل خمور برضا مني ومن صاحب المحل بعد إعطاءه الثمن المتفق عليه لا يجعل هذا الخمر حلالاً لرضا التاجر والمشتري وقس علي ذلك الكثير من المحرمات التي تتم برضا من الطرفين
وقال علمائنا كلام طيب فيه الخلاصة:
قالوا: أن المعاملات البنكية كثيرة ومختلفة ، ولا يمكن الحكم عليها جملة بالتحليل أو التحريم لأن منها ماهو حلال ومنها ما هو حرام، والأمر في ذلك راجع إلى انضباط المعاملة بالضوابط الشرعية أو عدم انضباطها، فما كان من المعاملات البنكية خاليا من الربا والغرر والجهالة والميسر وغير ذلك من المحاذير الشرعية فهو حلال ، وما كان منها يشتمل على شيء من المحاذير الشرعية فهو حرام.
وعلى العموم فإن الغالب في معاملات البنوك الربوية أنها لا تنضبط بالضوابط الشرعية، وعلى العكس من ذلك فإن الغالب في معاملات البنوك الإسلامية أنها منضبطة بالضوابط الشرعية.
ومع ذلك فلا حرج في ذكر بعض المعاملات البنكية لكل من البنوك الربوية والإسلامية والحكم عليها، فمن معاملات البنوك الربوية:
1ـ القرض والاقتراض بفائدة، حيث إن ذلك هو عين الربا الذي ورد عليه الوعيد الشديد في القرآن والسنة، وهذه البنوك تسمي الاقتراض بفائدة استثمارا، وهذه التسمية لا تغير الحقيقة.
2ـ فتح الحساب الجاري، وهذا حرام لأنه إعانة على الربا بل وفيه تأكيل للربا، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، كما في صحيح مسلم.انتهي
ونقطة أخيرة في هذا البحث وهي عبارة عن سؤال عن وضع المال في البنوك الإسلامية ؟
إجابة هذا السؤال نوضحها في خلاصة البحث التي الحقناها في هذا البحث بناء علي طلب بعض الأحبة في الله بعد نشر الجزء الأول منه ومنعاً للتكرار .
خلاصة البحث في نقاط يسيرة:
اطرح في هذه النقاط خلاصة كل ما طرحناه بالتفصيل هنا في نقاط بسيطة ليلم بها القاريْ الكريم بها:
1-التعامل بالربا فيه ترهيب شديد ومن كبائر الذنوب وفي الكتاب والسنة أدلة كثيرة ذكرناها سلفاً.
2- الربا المحرم في الإسلام نوعان :
أ- ربا الفضل: ومثاله كمن باع عملة نقدية بنفس العملة بزيادة مثل أن يبيع الإنسان درهماً بدرهمين، أو ديناراً بدينارين أو صاعاً من التمر بصاعين من التمر هذا ربا الفضل ، وجاءت النصوص بتحريمه في ستة أشياء، وهي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ، فإذا بيع أحد هذه الأشياء بجنسه حرم التفاضل بينهما، ويقاس على هذه الأشياء الستة ما شاركهما في العلة، فلا يجوز مثلاً بيع كيلو ذهب رديء بنصف كيلو ذهب جيد، وكذا الفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح.
ب- ربا النسيئة: وله صورتان : الأول: ما كان في بيع جنسين اتفقا في علة ربا الفضل مع تأخير قبضهما أو أحدهما ومثاله كمن باع عملة نقدية بنفس العملة بدون زيادة؛ لكن تأخر القبض عن مجلس العقد كبيع الذهب بالذهب أو بالفضة، أو الفضة بالذهب مؤجلاً أو بدون تقابض في مجلس العقد.
الثاني: قلب الدَّيْن على المعسر، وهذا هو ربا الجاهلية، فيكون للرجل على الرجل مال مؤجل، فإذا حل ميعاده قال له صاحب الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي، وهذا هو عمل البنوك اليوم وفوائدها .
3-أن عمل البنوك وأساس نشاطه وأرباحه هو أدارة الأموال لتنميتها بالربا أو ما نطلق عليه الفوائد أو العوائد أو غير ذلك وهي لا تملك هذا المال فهي شر من ربا الجاهلية الذي يربي الرجل بماله ويزيد للتأجيل مع بقاء رأس المال كما هو ، والبنوك وسيط يربح بين الجانبين لتنمية المال و لا تشارك بالمضاربة في أي مشروعات بنفسها وهي خلاف البنوك الإسلامية التي تضارب وتقسم الأرباح أو الخسائر أن وجدت بينها وبين العملاء.
4-أن من أباح فوائد البنوك ومن حرمها علماء لا نشكك في علمهم ولكن الحق أحق أن يتبع والأدلة صريحة في حرمة الربا بكل اشكاله وأنواعه والأفضل للمسلم أن اختلط عليه الحق من الباطل أن يتورع ولا يضع أمواله في البنوك التجارية التي تتعامل بالربا إلا من باب أن الضرورات تبيح المحظورات ، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة من باب : الضرورة تقدّر بقدرها ، وارتكاب أخف الضررين ، فهذه حالة مستثناة من عموم الحكم بتحريم الإيداع في البنك الربوي كما يقول أهل العلم، وأن عادت عليه فائدة منه بسبب استثمار ماله فيها فليتخلص منها ولا يدعها للبنك ويتصدق بها علي ما ينفع المسلمين كرصف الطرق وبناء المدارس والمستشفيات ودور الأيتام ونحو ذلك، أو إعطائها للفقراء والمساكين.ولكنه لا يثاب عليها لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ،وله أن يأخذ ما دفعه من مال كما قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة،278-
5- البنوك الإسلامية اليوم تزداد قوة وانتشاراً وتشهد تقدماً ونجاحاً والحمد لله معتمدةً على أسس وقواعد وضعها عدد كبير من علماء المسلمين و من خلال دراسات وأبحاث ومجامع علمية وفقهية ومنها ما هو علي الطريق الصحيح وله لجنة من العلماء لتوجيهه وإرشاده للصواب من المعاملات ونري فيها خير كثير والتعامل معها حلال أن شاء الله مثل بنك فيصل الإسلامي علي سبيل المثال ،ومن العلماء من حرم التعامل مع البنوك كلها الإسلامية والبنوك التجارية التي تتعامل بالربا معاً وهذا فيه تضييق علي الناس وفيه مشقة وضرر علي الأفراد والجماعات خصوصاً أن كثير من أهل العلم أباحوا التعامل معها وحفظ أموالهم فيها وأن هذا لا يمنع من حدوث بعض التجاوزات التي يراها أصحاب هذا الرأي ولكن ينبغي مساندة البنوك الإسلامية وتصحيح مسيرتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة وتشجيع الناس للتعامل معها لا محاربتها فهي لا تتساوي مع البنوك الربوية التي تحارب الله ورسوله بالتعامل بالربا وحتي لو أحلها بعض أهل العلم كما لا يعني هذا بحال من الأحوال أن الخطأ في البنوك الإسلامية في الفكرة والقواعد التي تسير عليها قطعاً لا، ولكن وجود الأخطاء فيها خصوصاً من الموظفين أمر يسير قابل للإصلاح ولكن أن كانت بعض معاملات البنوك الإسلامية خلاف الكتاب والسنة حرمت كالبنوك التجارية بلا خلاف. وإنما حديثنا هنا عن الأخطاء من بعض العاملين وليس في منظومتها ومنهجها القائم علي الشريعة الإسلامية وأحكامها واضرب مثال علي ذلك عميل يريد شراء سيارة من البنك الإسلامي فما هو الفارق بين شراء سيارة من البنك الإسلامي ونظيره البنك الربوي يقول فضيلة الشيخ حسام الدين عفانه وأنا أنقل كلامه مختصراً: الفرق بين شراء سيارة من البنوك الإسلامية وبين شرائها عن طريق البنوك التجارية هو الفرق بين الحلال والحرام، وهو ذاته الفرق بين الربح والربا، ويجب أن يُعلم أن البنوك الربوية التجارية لا تبيع ولا تشتري حقيقةً، وإنما تمول العملية تمويلاً ربوياً، وبيان ذلك أن البنك الربوي يتفق مع وكيل سيارات على تمويل مشتريات الزبائن من السيارات، فإذا تقدم زبون لوكيل السيارات لشراء سيارة فيتفق معه على أن ثمن السيارة مئة ألف شيكل مثلاً مقسطة على ثلاث سنوات، ويتفقان على أن التسديد يكون عن طريق البنك الربوي، فيرسل الزبون إلى البنك الربوي الذي يطلب من الزبون ضمانات كتحويل راتبه على البنك إن كان موظفاً أو إحضار كفيلين ونحو ذلك من الضمانات، فإن تمَّ ذلك وفق ما يطلبه البنك الربوي، بعدها يقوم البنك بدفع المبلغ نقداً إلى وكيل السيارات مخصوماً منه الفوائد الربوية حسب الاتفاق بين وكيل السيارات والبنك الربوي، وتتراوح نسبة الفائدة بين 5% - 10% ثم يقوم الزبون بتسديد المبلغ كاملاً للبنك الربوي على مدى مدة التقسيط المتفق عليها. وهذه المعاملة معاملة ربوية حيث إن البنك مقرض وليس بائعاً، فالبنك أقرض وكيل السيارات مبلغاً من المال نقداً ثم استوفاه من الزبون مع زيادة وهذا هو الربا بعينه. والبنك الربوي لا علاقة له بالبيع ولا علاقة له بالسيارة ولا يتحمل أية مسؤولية تجاه الزبون، وإنما هو مجرد ممول فقط، بل إنه في حال تأخر الزبون عن سداد قسط من الأقساط فإنه يفرض عليه فائدة مركبة. بينما الذي يتم في البنوك الإسلامية يختلف تماماً عما يتم في البنوك الربوية، فالبنك الإسلامي يشتري السيارة ويتملكها، وهذا يعني دخول السيارة في ملكية البنك دخولاً حقيقياً -ولا يشترط شرعاً أن تسجل السيارة في الدوائر الرسمية باسم البنك الإسلامي، لأن التسجيل مسألة قانونية- وبعد أن يحوز البنك الإسلامي السيارة يقوم ببيعها إلى الآمر بالشراء ويتفقان على تسديد الثمن على أقساط. ومن المعلوم أنه إذا تأخر الآمر بالشراء عن تسديد الأقساط، فإن البنك الإسلامي لا يرتب عليه أية زيادة، لأنه إذا استقر الدَّين في الذمة فلا تجوز الزيادة عليه لأن ذلك عين الربا، وهذا بخلاف المتبع في البنوك الربوية كما أسلفت.انتهي
قلت: وهنا قد يقع خطأ من العاملين ففي الوقت الذي لم يتسلم البنك السيارة ويشتريها فعلياً يقوم الموظف بالانتهاء من عقد البيع مع العميل وقبض الثمن المتفق عليه عند الاستلام وكل ذلك ولم ينتهي شرائها فعليا من التاجر وهذا خطأ قاتل للفارق بين البيع بفائدة المحرم وبيع المرابحة الجائز ،و وكان ينبغي للموظف أن لا يتم عقود البيع إلا بعد أن يتأكد من تملك البنك للسيارة فعلياً ومثل هذه الأخطاء لا تبرر تحريم التعامل مع البنوك الإسلامية بل مساندتها كما قلنا وتصحيح أ ما تقع فيه من أخطاء.
وأن أراد المسلم التورع عن الشبهات تعففاً منه فليحفظ ماله فيها كحساب جاري من باب الضرورة والبنوك الإسلامية التي تشرف عليها لجان شرعية من العلماء أفضل من البنوك الربوية لأنها أعانة لهم علي المنكر إلا للمضطر كما قلنا ودون أي أضافات ، وليطمئن القاري أن ماله في البنوك كحساب جاري للضرورة لحفظ المال من السرقة لا بأس فيه وله هذه الفتوي ليطمئن قلبه :
-سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول ، فهل يجوز ذلك أم لا ؟
فأجاب : "لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة ؛ لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان ، والله سبحانه قد نهى عن ذلك ، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية ، فلا حرج إن شاء الله ؛ للضرورة ، والله سبحانه يقول : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) ومتى وجد بنكا إسلاميا أو محلا أمينا ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه ، لم يجز له الإيداع في البنك الربوي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز"(19/414)
ونكتفي بما ذكرت هنا وقد بحثنا كثيراً عن أقوال العلماء وادلتهم لبيان حقيقة المسألة لخطورتها وحاجة الناس لها بشدة في زماننا هذا الذي ضاعت فيه الأمانة وكثرة فيه السرقات والمال الحرام ،وحرصهم علي الحلال يزيد من مسئوليتي كباحث وداعية وما أنا إلا طويلب علم ابحث عن الأدلة وانظر لأقوال علمائنا لإظهار الحق الذي أدين الله تعالي بنشره من باب النصيحة لدينه بين الناس علي صفحتي تلك وقد ذكرت كثيراً من أقوال أهل العلم الثقات من أهل السنة والجماعة لبيان الحق وما نريد إلا الإصلاح والقول الأسلم الذي يوافق الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة بعيداً عن الهوي والاستحسان والاجتهاد الذي لا يستند لدليل ونشره بين الناس ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة والله سبحانه وتعالي أعلم وأحكم.