زكاة الفطر بين النص الشرعي وأقوال الرجال
سبب هذه المقالة سؤال من أخ حبيب إلي قلبي فكانت إجابته وتحاوره سبباً في هذا الكلام وهو يهم كل مسلم ومسلمة فيما يخص الاختلاف بين أهل العلم في كيفية أخراج زكاة الفطر .
بداية ليعلم كل زائر لصفحتي أن أخي إبراهيم خميس من أحب الأصدقاء إلي قلبي وهو مثلي طويلب علم يريد اتباع الحق ويدور مع الدليل حيثما دار وردي هنا علي تعليقاته الذكية لأن المسألة "زكاة الفطر هل يجوز أخراجها مالاً أم لا ؟ " هو موضوع الساعة علي المواقع والمنتديات وصفحات الفيس بوك وغير ذلك وأخي إبراهيم أهلاً للرد لما له من غيرة علي الدين وحب للعلماء والدعاة أمثالي-حفظه الله تعالي- وهو لا يخفي هذا وأنا ايضاً أحبه في الله رغم عدم معرفتي به إلا عن طريق النت فهو أخ فاضل واسأل الله أن لم يجمعنا في الدنيا أن يجمعنا في الآخرة هو وكل من تشرفت بصداقته ومعرفته في جناته أنه ولي ذلك والقادر عليه.
نشرت منشور في سلسلة حلقات "من هدي النبي في رمضان الحلقة (17)" وقد لفت نظري أخي الحبيب ببعض الملاحظات المنتشرة عن جواز إخراجها قيمة وهو وغيره من المسلمين مما اسمع واقرأ حائر ما الصواب في المسألة ووقتها قد حان؟
وسأقول ما يستريح له قلبي متبعاً للدليل لأنه هو أصل المسألة والاختلاف في تفسيره أمر معتبر ورأي يحتمل الصواب والخطأ وقد قال به علماء أفاضل أما الاختلاف في الدليل لا يوجد والكل متفق علي صحته وأن كان الامر كذلك فالخير كله فى الاتباع والشر فى الابتداع وانشر تفصيل للمسألة وما ادين الله به لبيانها والله المستعان وذلك في ردي علي تعليقات أخي الحبيب إبراهيم خميس.
يقول أخي الفاضل إبراهيم -حفظه الله- قد قلت أن أهل العلم قالوا ان الخير فى الاتباع والشر فى الابتداع وهذا حسن فلو طبقنا الحديث حرفيا فان زكاة الفطر يجب اخراجها صاعا من تمر او صاعا من شعير ولا يتعداها الى غيرها من الحبوب الا بنص واذا قبلنا باخرجها من الحبوب الاخرى فقد فتحنا باب الاجتهاد فى الحديث كله
قلت: كلا أخي إبراهيم المسألة ليس كما ذهبت فاتباع النبي والحذر من الابتداع ومخالفة أمره أمر من الله تعالي كما لا يخفي والآيات في ذلك كثيرة منها (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36))-الاحزاب
-قال السعدي في تفسيرها ما مختصره:فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} من الأمور، وحتَّما به وألزما به {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة، أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجابًا بينه وبين أمر الله ورسوله.اهـ
وهذه بداية طيبة لمدخلنا في بيان الرد علي سؤالك فأنت تقول في موضع آخر من تعليقاتك أن الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان وهذا حق ولكن هناك خلط في هذه المسألة يقع فيها كثير من الناس نبدأ بتوضيحه وسوف يتبين لك لماذا قال العلماء بأخراج الطعام من غالب قوت البلد وهو اجتهاد في محله وهو الفهم الصحيح لمعني الحديث وهو ما لا يختلف فيه احد.
قال أهل العلم: الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة : غير قابلة للتغيير ، مهما اختلف الزمان ، والمكان ، وضربوا أمثلة علي ذلك تحريم الخمر ، والزنا ، والربا ، وعقوق الوالدين ، وما يشبه ذلك من الأحكام : فهي حرام مهما تغيرت الظروف والأحوال لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص تشريعية ثابتة ومعلومة للجميع وقد اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة حجة للعبث بالأحكام الشرعية والنصوص القطعية الثابتة في الكتاب والسنة ، وليكن معلوما أن المقصود بعبارة الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان وهذا صحيح لا ريب ولكن ينبعي عدم الخلط بين الاحكام الثابتة والفتوي نفسها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان ، وتطور الأحوال ، وتجدد الحوادث ؛ فإنه ما من قضية ، كائنة ما كانت ، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى ، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك ، علِم ذلك مَن علمهُ ، وجهله من جهله ، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال " : ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها ، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية ، وأغراضهم الدنيوية ، وتصوراتهم الخاطئة الوبية ، ولهذا تجدهم يحامون عليها ، ويجعلون النصوص تابعة لها ، منقادة إليها ، مهما أمكنهم ، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه ، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان " : مراد العلماء منه : ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية ، والعلل المرعية ، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 12 / 288 ، 289)
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية - :
الثبوت من غير زوال ، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً ، ولا تخصيصاً لعمومها ، ولا تقييداً لإطلاقها ، ولا رفعاً لحكم من أحكامها ، لا بحسب عموم المكلفين ، ولا بحسب خصوص بعضهم ، ولا بحسب زمان دون زمان ، ولا حال دون حال ، بل ما أثبت سبباً : فهو سبب أبداً لا يرتفع ، وما كان شرطاً : فهو أبداً شرط ، وما كان واجباً : فهو واجب أبداً ، أو مندوباً : فمندوب ، وهكذا جميع الأحكام ، فلا زوال لها ، ولا تبدل ، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية : لكانت أحكامها كذلك .
" الموافقات " ( 1 / 109 ، 110 ) .
وبناء علي ماسبق يتبن لك أن ضابط فهم هذه العبارة كما ذكر علمائنا في أمرين :
أ. التغير في الفتوى ، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله .
ب. التغير سببه اختلاف الزمان ، والمكان ، والعادات ، من بلد لآخر .
ونأتي لزكاة الفطر وقولك" واذا قبلنا باخرجها من الحبوب الاخرى فقد فتحنا باب الاجتهاد فى الحديث كله "-وأنا لا أحاول اثبات خطأ كلامك أخي إبراهيم لأني أعلم أنك تستفسر عمن يقول بذلك وصحته لحرصك علي العمل الصائب الذي يرضي الله تعالي ، وإنما أبين لك الرد عليه ليتعلم الحكم من يتابع كلامنا والله المستعان
نقول أن النص الشرعي ثابت والحكم واضح لا يتغير ومن النصوص واكتفي بما جاء في صحيح مسلم :
-حديث عن ابن عمر –رض الله عنهما وهو قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ»- صحيح مسلم (489)-بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ
-وفي نفس الباب عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»-مسلم برقم (985)-
فهنا – وعلي قولك بتغير الفتوي-ممكن ان تتغير الفتوي بتغير الزمان والمكان كما تقول فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً ، بمقدار صاع ، وقد قال أهل العلم " نص الحديث على " الشعير " ، و " التمر " ، و " الإقط " ، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان ، فالشعير صار طعاماً للبهائم ، والتمر صار من الكماليات ، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل ، وعليه : فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم-هذا هي الفتوي التي تتغير ، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز ، وآخر يفتي بإخراجها ذرة ، وهكذا .
فالحكم الشرعي ثابت ولا شك ، وهو وجوب زكاة الفطر ، وثابت من حيث المقدار ، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج .
والأمثلة كثيرة جدّاً ، في الطلاق ، والنكاح ، والأيمان ، وغيرها من أبواب الشرع .انتهي كلامهم مختصراً
واليك مايدل علي ذلك من أقوال اهل العلم ممن يتبعون الدليل وهو الحكم الشرعي الذي لايتغير حسب الأحوال والاهواء :
-حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-المذكور أنفاً- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ .
وفسرها العلماء كابن باز- رحمه الله- بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان ، وهذا هو الصواب ؛ ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/200)
-وقال شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الصدد في "مجموع الفتاوى" (25/ 68) : " أَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِمْ بِلَا رَيْبٍ . وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مَا يَقْتَاتُونَ مِنْ غَيْرِهَا ؟ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا يَقْتَاتُونَ الْأُرْزَ وَالذرة فَهَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ يُجْزِئُهُمْ الْأُرْزُ وَالذُّرَةُ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ ، وأصح الأقوال : أنه يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُواساة لِلْفُقَرَاءِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ ، كَمَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ " انتهى بتصرف .
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (3/12) : " وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب ، فإن كان قوتهم من غير الحبوب ، كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان ، هذا قول جمهور العلماء ، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره ، إذ المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم ، وعلى هذا فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح فيه الحديث " انتهى .
وقال الشيخ علي حيدر في درر الحكام شرح مجلة الأحكام تحت قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان: إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة، لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس, وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة، وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير، مثال ذلك: جزاء القاتل العمد القتل، فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان. اهـ.
والخلاصة أن الحكم ثابت وهو اخراج الزكاة صاعا من طعام والفتوي تتغير بخصوص الطعام حسب أحوال كل بلد أما القول بأن ذلك يفتح باب الاجتهاد في الحديث كله فغير صحيح كما وضحنا.
وقد ذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر.
قال الإمام أحمد:" أخاف ألا يجزئه، خلاف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_"، وهذا مذهب مالك والشافعي.
وقال الإمام ابن حزم _رحمه الله_ : " لا تجزئ قيمة أصلاً؛ لأن ذلك غير ما فرض رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ".
واختم هذه الاستفسار بكلام وتعليق منقول من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في هذا الموضوع اكمالا للفائدة قال: "ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم إن زكاة الفطر تجزئ من الدراهم لأنه ما دام بين أيدينا نص عن النبي – عليه الصلاة والسلام – فإنه لا قول لأحد بعده ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع، والله – عز وجل – لا يسألنا عن قول فلان أو فلان يوم القيامة وإنما يسألنا عن قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – لقوله تعالى: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ" [القصص:65]. فتصور نفسك واقفاً بين يدي الله يوم القيامة وقد فرض عليك على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن تؤدي زكاة الفطر من الطعام فهل يمكنك إذا سئلت يوم القيامة: ماذا أجبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فرض هذه الصدقة؟ فهل يمكنك أن تدافع عن نفسك وتقول والله هذا مذهب فلان وهذا قول فلان؟ الجواب: لا ولو أنك قلت ذلك لم ينفعك. فالصواب بلا شك أن زكاة الفطر لا تجزئ إلا من الطعام وأن أي طعام يكون قوتاً للبلد فإنه مجزئ)اهـ
وأضاف أخي إبراهيم-حفظه الله-ما نصه: اولا بالنسبة لوقت اخراجها تعلم شيخى الفاضل ان اهل العلم قالوا ان الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وعليه فقد اجاز اهل الفتوى فى السعودية بمد فترة رمى الجمار فى الحج وقد عدل الامام الشافعى بعض ارائه بمصر عما كان فى العراق لتغير المكان كما تعلم شيخى الف...عرض المزيد
وجوابي :قد وضحت لك المقصود ان الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان ولكن يبقي الحكم لا يتغير وثبت بالدليل والحكم الشرعي ولا اجتهاد مع نص - ففي البخاري (1511) ومسلم (984) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر (أو قال: رمضان) على الذكر والأنثى، والحر والمملوك، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير...وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين" وهذا هو الأولى والأبرأ للذمة أن يحافظ على إخراجها في وقتها لورود النص الشرعي في هذه المسألة وأما ما ذكرت عن رمي الجمار فهو غتوي تتغير بتغير الزمان والمكان والدافع لذلك هو الزحام الشديد ولكن العمل بالنصوص لم تختلف وهو الرمي بشروطه وظوابطه ومن ثم يتبين لك أن إخراج زكاة الفطر من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى ما قبل صلاة العيد،أو قبل العيد بيوم أو يومين، هو مايؤيده الحكم الشرعي
نعم هناك اقوال اجتهادية ولكن مع وجود النص لا مجال لأتباعها وهي:
-القول الأول : أنه قبل العيد بيومين ، وهو مذهب المالكية والحنابلة
- القول الثاني : يجوز من أول شهر رمضان ، وهو المفتى به عند الحنفية والصحيح عند الشافعية .
- القول الثالث : يجوز من بداية الحول ، وهو قول بعض الأحناف وبعض الشافعية ، قالوا : لأنها زكاة ، فأشبهت زكاة المال في جواز تقديمها مطلقا . وهو كما ذكرت انت.
وقطعا لن تختلف طالما الأدلة واضحة والراجح هو القول الأول لسبب بسيط وجود الدليل فأنا مع الدليل والاتباع لسنته-صلي الله عليه وسلم-
قال ابن قدامة في "المغني" 2/67 :
" سبب وجوبها الفطر ، بدليل إضافتها إليه ، والمقصود منها الإغناء في وقت مخصوص ، فلم يجز تقديمها قبل الوقت " انتهى .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (18/زكاة الفطر/السؤال رقم 180):
عن تقديم زكاة الفطر فقال: زكاة الفطر أضيفت إلى الفطر لأن الفطر سببها ؛ ولأن الفطر وقتها ، ومن المعلوم أن الفطر من رمضان لا يكون إلا في آخر يوم من رمضان ، فلا يجوز دفع زكاة الفطر إلا إذا غابت الشمس من آخر يوم من رمضان ، إلا أنه رُخص أن تُدفع قبل الفطر بيوم أو يومين رخصة فقط ، وإلا فالوقت حقيقة إنما يكون بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان ؛ لأنه الوقت الذي يتحقق به الفطر من رمضان ، ولهذا نقول : الأفضل أن تؤدى صباح العيد إذا أمكن " انتهى .
وطالما وجد الدليل الشرعي فلما المخالفة والاجتهاد اصلاً!
وذكر أخي الفاضل-حفظه الله- وزاده علماً وفقهاً-ما نصه: بالنسبة لاخراجها مالا فكما قلت لفضيلتكم ان الحديث قال صاعا من تمر او شعير فاذا باى نوع من الحبوب فقد فتحنا باب الاجتهاد وماذا يفعل اهل المدن ومن فى حكمهم ممن لايملكون الحبوب والتمور انهم فى هذه الحالة سوف يضطرون الى شرائها واعطائها للفقبر فيتكدس عند الفقير ما يزيد عن حاجته فيضطر الى بيعها لسد احتياجاته فنعود الى القاعدة الفقهية ان الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان؟
وجوابي: هل يصح أن افسد عبادة شرعها الله بكيفية معينة من أجل اعذار وهمية فالضرورة كما نعلم تقدر بقدرها فأهل المدينة مثلهم كمثل الجميع سوف يجدوا الطعام متوفر من غالب قوت البلد أما قولك " فيضطر الى بيعها لسد احتياجاته فنعود الى القاعدة الفقهية ان الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان " فهذا ليس شأنه كمسلم لأنه عمل بما أمره الله ورسوله وصارت الزكاة ملكا للفقير له أن يتصرف فيها كما شاء وقد وضحت حقيقة ومفهوم القاعدة الفقية والخلط بينها وبين الحكم الشرعي والنص الصريح لا يجوز- ونجوز فقط في الفتوي فلتكن الفتوي أذاً اعطي الفقير ما اوجب الله عليك من زكاة الفطر كما شرع الله ورسوله ويزد من شاء عليه من مال لسد احتياجاته وهي صدقة طالما هو قادر ويقول العلامة ابن العثيمين: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير»، وقال أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: «كنا نخرجها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب، والأقط». ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن زكاة الفطر لا تجزىء من الدراهم، ولا من الثياب، ولا من الفرش، ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم: إن زكاة الفطر تجزىء من الدراهم؛ لأنه ما دام النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً، فلا قول لأحد بعده، ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع، والصواب بلا شك أن زكاة الفطر لا تجزىء إلا من الطعام، وأن أي طعام يكون قوتاً للبلد فإنه مجزىء.انتهي
وبعد أخي إبراهيم خلاصة المسألة هي: أن الخلاف في زكاة الفطر معروف ومشهور بين أهل العلم والصواب مع من يقول تخرج حبوبا كما ثبت بالنص والدليل وأنها تخرج من غالب قوت البلد فالعبرة في سد احتياجات الفقير من الطعام وهي زكاة فطر والخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع والاختلاف وكفي بقوله تعالي عند الاختلاف والتنازع جتي لا نضل عن الأصل قوله تعالي : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء
وقوله تعالي { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)}-الأحزاب
وليكن معلوما أن الاختلاف بين أهل العلم في مسألة زكاة الفطر وغيرها لا يعني أن الجميع علي صواب بل لابد أن يكون هناك جانب مخطأ ونكرر القول أن وجود الخلاف لا يدل على صحة جميع الأقوال كما قد يتوهم بل العبرة عند الخلاف بما دل عليه الدليل
ومن أجاز إخراج القيمة يخالف ظاهر النصوص فهو اجتهاد من أهل العلم الأفاضل ولهم منا كل احترام وتقدير ولو قرأت عما قيل من جواز إخراجها مالاً تجدها أقوال عن فلان وفلان وأنا أسال كل غيور علي السنة اين الدليل ليظهر لنا الحكم الشرعي من أقوال الرجال ؟ وينبغي ان ندور مع الدليل حيثما دار والرجال يستدل بهم لفهم الأدلة وليس هم الأدلة التي ينبغي اتباعها بل سنة النبي المعصوم-صلي الله عليه وسلم- والعمل بها أن أرادنا خير الدنيا والآخرة.
وقد قيل للإمام أحمد-رحمه الله-: قوم يقولون: عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ بالقيمة.فقال:يدعون قول رسول الله ويقولون قال فلان! وليعلم المسلم أن الأفضل لصحة عباداته هو ما ثبت من الكتاب والسنة لا ما قيل من اقوال الرجال وجمهور العلماء ولله الحمد والمنة على عدم أخرجها قيمة فهي غير مجزئة.
ومن ثم كما يعلم كل مسلم أن الاختلاف تنافر وصد عن الحق وليس رحمة بالأمة بدليل قوله تعالي (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)-هود فالرحمة في نبذ الاختلافات والاجتماع علي الرأي الصواب والضابط لهذا الاختلاف كما لايخفي هو الدليل ولا اجتهاد مع نص وأن عدم الدليل فباب الاجتهاد مفتوح ومن أصاب من علمائنا من أهل الفضل له أجران ومن أخطأ له اجر وكما تعلم أن الاختلاف بين الأمة في كثير من مسائل الدين ليس رحمة لأنه يؤدي للتشتت وضياع الحق بين االأراء والاجتهادات والاهواء. نسأل الله أن يتقبل الله مني ومنكم ويعذرنا لاختلافنا ويتقبل ممن أخرجها حسب ما افتي به بعض علمائنا الأفاضل قيمة أنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته