مجتمع البقشيش والإكراميات
جاءني سؤال من أخت فاضلة تعمل كممرضة في عيادة تسأل تورعًا منها من الحرام صحة إكرامية من المريض هل تقبلها أم لا؟
والواقع بحكم أنني من مريدي المستشفيات وزبون رائع ودائم للأطباء حتي الإفلاس من كل شكل ولون ومهما كان تخصصه ..أنف وأذن ..مخ وأعصاب..قلب..رمد ..أوعية دموية..عظام..والقائمة تطول ولله الحمد علي كل حال..وأقول لمن هم أمثالي أبشروا وأرفعوا رؤوسكم فنحن أهل البلاء في الدنيا ، والبلاء بقدر حب الله للعبد وهو القائل ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) -الملك: 2
وعن مصعب بن سعد بن مالك: عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"- واه أحمد برقم (1555)، وحسنه الأرناؤوط في تعليقه على أحمد
فأصبروا وصابروا وتذكروا..
الدنيا وما فيها إلي فناء.. والأسقام إلي نهاية والغني والفقر إلي نهاية كذلك.. والاوجاع والآلام إلي نهاية، وأعمارنا محدودة وإلي نهاية.. ولا تنسوا قط..
إن لله ما أخذ وله ما أعطي وكل شيء عنده بمقدار..
ولا رادي لقضاء الله وليس لنا إلا الصبر والرضا ،ومن رضي فله أجره ومن سخط فعليه السخطـ وإلي ربك المنتهي والجزاء والسعادة التي لا تنتهي في الحياة الحقيقية في جنات النعيم
أقول بحكم الخبرة طلب الإكرامية من المريض بمزاجه أو بالعافية أمر طغي علي المجتمع نتيجة الجهل بالحلال والحرام،وسواء كان يعمل في مراكز أو مستشفيات حكومية أو خاصة فالعلة في الثقافة الشعبية لهذا القطاع الصحي والعاملين فيه من المرضي والممرضين والممرضات مرورًا بعامل أو عاملة النظافة وعامل الأسانسير الذي يريحك علي الكرسي الخاص به !! ..وهلم جرا
ورأيت بعيني بعد العمليات من يطلب البقشيش وينتظرني حتي أرتدي ملابسي وأنا متعجب لهذا العناد وتلك الهمة مع أن هناك من المرضي من ينتظره !!
ومنهم من لا يطلب وأعطيه برغبتي وأنا منصرف فيقبلها ..
ومنهم من لا يعجبه خمس جنيهات عايز أكثر فالعين بصيرة والأيد قصيرة..صحيح لكن ماذنبي أنا وهناك غيره وغيره وغيره؟!!
والمجتمع المسلم لا مكان فيه في ديننا للمتكاسلين والمتواكلين مثل تنابلة السلطان، بل هو مجتمع كله قائم علي السعي والعمل والنشاط، لقوله -صلى الله عليه وسلم- "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"
أفهم هذا جيدًا..
ولنا وقفة لنضع النقط فوق الحروف وما علي الرسول إلا البلاغ!!
وكان جوابي عن السؤال المذكور أنفًا كما تعلمنا من علمائنا ومن أدلة القرآن والسنة وبفهم العلماء الثقات سلفًا وخلفًا.. ولنجعله علي العموم لنستفيد ويستفاد غيرنا!!
أن كل مسلمة أو مسلم مطلوبًا منه أتقان العمل علي خير وجه وقد قال نبينا " إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ"-صحيح الجامع /1880
وتحري الحلال الطيب أمر مطلوبة شرعًا فالله طيب لايقبل إلا طيبًا..
فكيف بمن ماله حرام وملبسه من حرام ومأكله من حرام كيف يستجيب الله له عندما تنزل عليه مصيبةٍ ويرفع يده إلي علام الغيوب وهو يقول ..يارب..يارب!!
كيف يستجيب له؟!
،وكون المسلم يقوم بعمله الذي يأخذ عليه الأجر برضاه وموافقته ، فهو مؤتمن شرعًا للقيام به دون أي إضافات من خلق الله وهذا بديهي !!
والحال عندنا كما نري أن في جميع المصالح تجد العمال مهما كان نوع العمل والتي له علاقة بمصالح الناس وحياتهم اليومية، يطلب ولا يستحي اكرامية أو مهما كانت أسمها ،وأن لم يأخذها يهمل في عمله مع هذا المريض أو صاحب الحاجة وهذا حرام بلا ريب.
هذا عن المال كإكرامية أو بقشيش ..الخ
فماذا عن الهدايا وليس مالاً صريحًا وهو نوع خبيث من التحايل لتحليل ماحرم الله ورسوله..
وهدايا العمال غلول مهما كانت مسمياتها عند الناس،وهذه المسألة من المسائل المهمة التي عمت بها البلوى في هذه الأزمنة ، والموظف مهما كان مجال عمله المرتبط بمصالح الناس ويقبل الهدية بدون علم وأذن رئيسه وصاحب العمل ينطبق عليه حديث في الصحيحين عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ : هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي ، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا )
فالأمر جد خطير ويحتاج لوقفة وكفي ما في الأمة من أمراضي تقشعر منها القلوب!!
ونعود للإكرامية أو البقشيش البعض من الناس لا يقدر ويستحي ألا يفعل كما يفعل الناس ،والموظف ينتظره وهو غاضب"يعني يقول شكلي وحش"،ويعطي له ماهو في أشد الحاجة إليه!!
ونقول طالما الموظف أيا كانت وظيفته فهو له مرتب من جهة عمله وغير ذلك لايحل سواء طلب أو لم يطلب ولكن..
متي تكون حلالًا؟
المباح والحلال إذا أنتهت مصلحة المريض أو الزبون ،وبرضاه دون طلب أو أحراج أن فعل وأعطي لمن شاء ما يقدر عليه فهو حلال عند بعض أهل العلم لانتفاء الاستغلال لوظيفته ومن يرفض من العمال تورعًا فهو الأفضل والأكرم قطعًا
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : لدينا قصر أفراح ، وفيه طباخون ، وبعض الطباخين يطلب إكرامية بالإضافة إلى راتبه ؛ فهل يجوز إعطاء العامل مبلغًا من المال إكرامية؛ حيث إنه تعود أخذه من الناس؟
فأجاب : " إذا كان هناك عامل من العمال له راتب وله أجر مقطوع من صاحب العمل ؛ فلا يجوز لأحد أن يعطيه ؛ لأن هذا يفسده على الآخرين ؛ لأن بعض الناس فقراء لا يستطيعون إعطاءهم ؛ فهذا العمل سنة سيئة " انتهى من "المنتقى في فتاوى الشيخ الفوزان" ج 3 سؤال رقم (233).
والحاصل أن الهدايا مهما كان نوعها تشترط معرفة صاحب العمل وأذنه والمال كبقشيش أو إكرامية لا تكون حلالًا إلا بعد انتهاء مصلحة صاحبها لانتفاء شبه الإستغلال، ورضا صاحب العمل فربما لا يأذن فلا يجوز ،وتكون برضا الزبون أو المريض وباختياره وتقديره والتورع عنها أفضل ،ونسأل الله أن يرزقنا الحلال الطيب ويبارك لنا فيه ويبعد عنا وعن بيوتنا الحرام والشبهات إنه ولي ذلك والقادر عليه