طلب العلم.. قضايا ووصايا
عوائق الطلب
طريق العلم طويلةٌ، ولا يأمن الطالب من وجود العقبات والعوائق خلال سَيْره فيها، والهادي الأمين مَن دلَّ غيرَه على ما اعترضه منها، فنبَّه إليها إخوانه ليحذروها؛ وقد قرأت كتاب الشيخ عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم رحمه الله، في هذا الصدد "عوائق الطلب"، والتقطت منه النقاط الرئيسة وصُغتها بعبارتي، ثم وضعت عليها بعضَ الخواطر التي واتتني أثناء قراءة الكتاب، واكتفيت هنا بتدوين ما كان مِن تعليقاتي حَلًّا للمعوِّقة أو العقبة التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى؛ ليكون الرشد إلى جانب الرصد، فمَن رصد واحدةً من تلك العوائق لديه، عرَف طريق الرشاد في علاجها.
وقد آثرت ذكر الشيخ رحمه الله في صلب الموضوع دون الهامش، والاعتماد على عمله دون الاستقلال عنه؛ حتى يجري على الألسنة ذكرُه، فيناله بذلك الترحُّم والدعاء، وفضَّلت أن أشركه معي في الأجر؛ فلعلَّ ذلك يكون من جملة ما يجب لأهل العلم من الوفاء.
وهذا أوان الشروع في المقصود:
يعيقك يا طالب العلم عن مواصلة سيرك في تحصيل العلم النافع أمورٌ:
(1) طلب العلم لغير الله.
والحل: دوام المعالجة للنيَّة على طول الطريق، ولا تجعل الشيطان يتسلَّل إلى نفسك بالتيئيس.
(2) ترك العمل بالعلم.
والحل: تدريب النفس وتمرينها على العمل واحدة واحدة، وأخذها بالتدرُّج حتى تَسْلَسَ لك وتلين.
(3) الاعتماد على الكتب دون العلماء.
والحل: أن تطلب العلم على يد شيوخه المتحقِّقين به، ومع ذلك لا تترك حظَّك من القراءة فخُذْ بنصيبك منها، وبالجمع بين الأمرين تَنَالُ ما تطلب.
(4) أخذ العلم عن الأصاغر حدثاء الأسنان، أو حدثاء العلم، مع توفُّر مَن هُم أكبر منهم وأرسخ في العلم وأجذر.
والحل: أن تطلب أفضل ما تجد، ولا تقعد بك همَّتُك عن الرحلة إلى كلِّ من وسعتك نفقتك وحالك الوصول إليه.
(5) عدم التدرج في العلم.
والحل: أخذ العلم شيئًا فشيئًا؛ فإنه الوسيلة المثلى في تحصيل العلم وفهمه، فلا ينتقل مِن فنٍّ إلى غيره حتى يتقنَه، ولا يتجاوز البداية إلى ما بعدها حتى يقضي منها حاجته، فازدحامُ العلم في السمع مضلَّة الفَهم.
(6) الغرور والعُجب والكبر.
والحل: حمل النفس على التواضع بالتفكُّر في المآل والمصير، وتعاهدها بالمواعظ وتذكيرها بالتقصير، ويبذل في ذلك جهده.
(7) استعجال الثمر، يطلب العلم شهورًا ثم يقول: علمت!
والحل: أن ينظر في حال طلاب العلم من السلف، ويرى صبرهم على طول السنين، وإفناءهم أعمارهم في التحصيل، فيواصل الجهد، ويصبر على طول الأمد، ولا يتعجَّل قطف الثمار.
( دناءة الهمة.
والحل: أن يقرأ في سِيَر أهل الهمم العالية، ويأخذ بطرائق رفعها ودفعها إلى العُلوِّ، من مصاحبة أهل الهمم، وتمثُّل أقوالهم وأفعالهم، وترتيب الأعمال والأحوال، والتطلُّع للأفضل، ومجاهدة النفس على بلوغ الآمال، وعدم التفريط في تحقيق الطموح، ومحاسبة النفس على التقصير، والابتعاد عن المثبِّطات... ونحو ذلك.
(9) التسويف والتمنِّي.
والحل: أن تتنزَّه عن هذه المنقصة بالمبادرة إلى الأعمال، والمسارعة إلى الأفعال، وعدم الاستغراق في أحلام اليقظة، والاعتبار ببعض عمره الذي ضاع، فلا ينتظر حتى يضيع باقيه، ولتشرع في بداية العمل مستعينًا بالله متوكلًا عليه؛ فإنه لا يضيِّعك متى صدَقت اللُّجء إليه تعالى.
هذه تسع كاملة، وعلاجها معها، فاجتهد يا طالب العلم في تجنُّبها، والحذر منها، والابتعاد عنها؛ حتى تحصِّل مقصودك، وتبلغ أملك.
أنجح الله بغيتك، وبلَّغك الخير حيث كان.
وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.