من مقالات الشيخ علي الألوكة
طلب العلم.. قضايا ووصايا
ماذا يعني انتمائي للعلم؟
لكل فِرقةٍ خصائصُها ومميزاتُها، ولكل طائفةٍ صفاتُها وترتيبُها، ولا يليق بأحدٍ الزعمُ بأنه ينتمي إلى طائفة أو فرقةٍ ما، دون أن يتزيَّا بزيِّهم، ويتمثَّل بخصائصهم وصفاتهم، فإذا أراد المرء أن يدخل في أهل الحديث أو أهل الفقه مثلًا بخاصة، أو أراد أن ينتمي إلى أهل العلم عامةً، فلا بد له من معرفةٍ تامةٍ بما يختصُّون به، ويتميَّزون به؛ حتى يُصحِّحوا له زعمه فيهم، ويقبلوه فردًا في صفوفهم، وإلا رُدَّ عليه كلامُه، وعاد مجرد دعوى لا دليلَ عليها، والتصاقٍ لا صحةَ لنسبته.
ماذا يعني انتمائي لطلبة العلم؟
في الجواب عن هذا السؤال المباشر نُلخِّص النقاط التي ينبغي أن يتميَّز بها طالبُ العلم؛ لينظر فيها من كان في طريقه، فإن رآها تتوافر فيه جميعًا أو أغلبها، علم أنه على الطريق الصحيحة، وسعى - إن لم يكن استكملها كلَّها - في ضمِّ القليل الباقي إلى ما معه، وإن لم يجدها فيه أو أغلبها، راجَعَ نفسه فيما زعم، ونظر فيما ادَّعى، وهذه الصفات كما أتصورها كالتالي:
1- استكمال الفرائض، واجتناب المحارم، والبُعدُ عن المشتبهات، وهذه هي صفات المسلم، فحريٌّ بطالب العلم أن يستوفيَها، وهل يليق بمن يدَّعي أنه من طلاب العلم أن يُضيِّع الفرائض، ويرتكب المحارم؟ كيف هذا؟! ويجب عليه أن يبتعد عن مواطن الشبهات، وأن يجعل بينه وبين الحلال نهرًا يُبرِّئ ساحته من أدران المحارم؛ فإن الله قرَنَ العلم بخشيته؛ فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، فهذه أولى خصائص الانتماء لهذه الطائفة الكريمة.
2- التخلُّق بخُلُق الإسلام في قوله وعمله؛ فلا يقول إلا حسنًا، ولا يعمل إلا صالحًا، فلا ينبغي لحامل العلم أن يكون جافيًا، ولا سخَّابًا ولا صيَّاحًا، ولا حديدًا ولا مجادلًا، فإن بدَرَ منه شيءٌ من ذلك، سارع إلى طلب التوبة من الخالق، والمعذرة من الخلق في تواضُعٍ، فهذا الذي يليق به.
3- التنزُّه عن كثير من المباحات؛ كاللَّهو الفارغ، والسعي الخالي من الفائدة، فطالبُ العلم ينبغي أن يُعرف بجدِّه إذا الناس يلهُون، وبسعيه إلى هدفه إذا الناس فارغون؛ فلا يليق بطالب العلم وهو يطلب المعالي، ويمضي إلى القمم - أن يلهو ويلعب.
4- المحافظة على وقته، فلا يُضيِّع شيئًا من وقته في غير فائدة، فيُنظِّمه ويُرتِّبه، ويملؤه في كل جزئياته بما يُناسب حاله، ولا يُفرِّط في شيءٍ منه، فإن صحَّ أن يُضيِّع رجلٌ من عامة الناس وقتَه في لهوٍ مُباحٍ، فلا يحقُّ ذلك لطالب العلم، فإن كان لا بد فليجعل لهوَه في تحصيل فائدة، وتعلُّمِ شيءٍ ينفعُه، كما في الحديث: ((لا سبقَ إلا في نَصْلٍ أو خُفٍّ أو حافرٍ)).
5- أن يكون له في خاصة نفسه عملٌ وعبادةٌ، فلا يقف بها على حدِّ الفرائض، واجتنابِ المحارم، فهو أعرفُ الناسِ بفضل العبادة والعمل، وأَخبَرُ الناسِ بعاقبة المآل والمصير، فيجعل له من أسباب الفرح في الدنيا والآخرة ما تَسعَد به نفسُه، وتقرُّ عينُه، ويطمئنُّ قلبُه، فيجدُر به أن يُعرف له قيامٌ في الليل، وصيامٌ في النهار، وقراءةٌ في خلوة، وذكرٌ في سهوة، وفكرٌ في صمت.
6- معرفة قدر العلم والعلماء، وأثرُ ذلك تقديرهما وتعظيمهما، وعدم الجرأة عليهما بالتقوُّل على الله بغير علم، وعدم الحطِّ من أقدار أهل العلم، بل يصون المرء علمَه وقدواته فيه، ولا يخوض فيهم مع الخائضين، ولا يقفو ما ليس له به علم.
7- صيانة العلم أن يَطلب به الدنيا، أو يبتغي به عَرَضَها وزخرفها، فإنَّ العلم نفيس، ولا يَبذُلُ النفيسَ في سبيل الرخيص إلا الحمقى، وليس بأحمقَ مَن يريد أن يلحق بأهل العلم ويحمل أمانته.
8- العمل بالعلم؛ فطالب العلم يجعل هدفه الأول من التعلُّم هو: العمل، فلا يسمع مسألةً، ولا يستفيد فائدةً حتى يُرى عليه أثرُها، في عمله وهَدْيه ودلِّه، فالعلم إن لم يَظهر أثرُه على عَمل المرءِ، فليس يُؤمَّل فيه خيرٌ.
9- وأخيرًا يجب أن يصون نفسه وعلمه من الزلل، وخلط الهزل بالجد عند العامة، وأن يُخفي عنهم أخذه بالرُّخصة فيما لا يفهمونه أو يعرفونه؛ ليحفظ قدر العلم عندهم؛ فإن العوامَّ إذا رأوا أحد العلماء مترخِّصًا في أمرٍ، هان عندهم، وقد قال بعض السلف: "كنا نمزح ونضحك، فإذا صرنا يُقتدى بنا، فما أراه يسَعُنا ذلك"، وقال سفيان: "تعلَّموا هذا العلم، واكظموا عليه، ولا تخلطوه بهزل فتمُجَّه القلوب"، فمراعاة الناس لا ينبغي أن تُنكَر؛ فقد قال عليه السلام لعائشة رضي الله عنها: ((لولا حِدْثَانُ قومك بكفر، لنقضتُ الكعبة، وجعلت لها بابين)).
هذه بعض الخواطر العَجلى في الجواب عن هذا السؤال العظيم: ماذا يعني انتمائي للعلم؟ والمسألة عظيمةٌ تحتاج إلى سَعةِ تفكُّر، وزيادةِ بحث.
يسَّر الله الوقت والجهد لذلك، فهو الموفِّق لكل خير.
رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/social/0/123497/#ixzz6aNNYl3W9