حلقات الحل الإسلامي لعلاج الغلو والتطرف
تابع الحلقة الخامسة-الجزء الثامن
تابع وصايا لعلاج الغلو والانحراف الدعوي(2)
إنَّ الحمد لله نحمده، ونَسْتعينه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد:
نتابع طرحنا لبقية الوصايا المقترحة من منظور شرعي لعلاج الغلو والانحراف الدعوي من وجهة نظرنا الشخصية والله المستعان.
3-ردع المجاهرين بالمعاصي أمنياً وردهم عن غيهم ولو بالعقاب الشرعي لخطورة ذلك على تماسك المجتمع وسلامته.
فالجهر بالمعصية فيه ترهيب شديد فقد قال النبي-صلي الله عليه وسلم-"كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرَّجلُ بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويُصبِح يكشف سترَ الله عنه" ( 1)
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-ما مختصره:
والمجاهِر هو الذي أظهر معصيتَه، وكشف ما ستَر الله عليه، فيحدِّث بها، أما (المجاهرون) في الحديث الشريف فيحتمل أن يكون بمعنى مَن جَهَر بالمعصية وأظهرها، ويحتمل أن يكون المراد الذين يُجاهِر بعضهم بعضًا بالتحدُّث بالمعاصي، وبقية الحديث تؤكِّد المعنى الأول.اهـ ( 2)
قلت: والمجاهرة بالمعاصي تنتشر في مجتمعاتنا انتشار النار في الهشيم فتري الملاهي والخمر والرقص والغناء والتعامل بالربا وتبرج النساء والخلوة بهن ومشاهدة الأفلام الخليعة يتم نهاراً جهاراً ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
4-أنشاء مراكز دعوية يشرف عليه أهل التخصص مهمتها توثيق الانفلات الدعوي والعمل علي تلافيه:
فالتوثيق أولاً علي المخالفين الخارجين عن حدود الوسطية بتطرف وتشدد يمثل خطراً علي الأمن الاجتماعي وينبغي إبلاغ الجهات المعنية لإصلاحهم وتحذيرهم.
وثانياً لإقامة الحجة عليهم، فأن رجعوا إلي الصواب فبها ونعمت وأن أبوا إلا التشدد والتطرف فالعقاب والحساب.
وهذا يدخل من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالي:{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }( 3)
وقال-تعالي-:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }(4 )
قال السعدي-رحمه الله: يمدح تعالي هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلي الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس.اهـ ( 5)
قلت: ولا عجب في ذلك فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وسطية هذه الأمة التي جمعت بين مميزات الأديان كلها بلا إفراط أو تفريط.
وهذا ما ذهب إليه "د. أسامة السيد عبد السميع" في دارسته للمقارنة بين الأديان فقال ما مختصره وبتصرف يسير: لقد جمع الإسلام بين خيرى التوراة والإنجيل، فإذا كانت التوراة لا تحاسب إلا على وقوع الفعل و وإذا كان الإنجيل قد أوصى بنبذ الخطيئة من جذورها، فإن الإسلام قد جاء ترغيباً وترهيباً، وجاء بقاعدة الثواب والعقاب، والهدف من ذلك منع ارتكاب الجريمة وحلول الأمن والسلام في المجتمع، فهو إذا كان قد قرر العقاب على وقوع الفعل كما هو شان التوراة م فانه أيضا رغب في ترك الإنسان للمعصية منذ البداية ونهى عنها، وعن إتيان بوادرها حتى لا ينـزلق فيها كما هو شأن الإنجيل لان المعصية بصفة عامة لا تقع فجاءة وإنما لها مقدمات، ومن ثم فقد كان الإسلام حريصاً على ترك الإنسان لهذه المقدمات، أي ترك ما من شانه مؤديا إلي الوقوع في المعصية، وهو ما عبر عنه في قوله -تعالي-:{ وَلَا تَقْرَبُوا }اهـ( 6)
5-جهاد العلماء والدعاة في حالة محاربة أهل الحل والعقد للقائمين عن أمر الدعوة ومنعهم من ممارسة دعوتهم وخير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر:
والجهاد لا يكون تحريضاً عليهم بل من باب النصيحة والتحذير من عواقب محاربة الله ورسوله بسبب ميولهم العلمانية أو الدنيوية أو رفضهم للشريعة ولو بالتسويف وغير ذلك وفي الوقت الذي يترك فيه السفهاء من العلمانيين والشيوعيين والفرق الضالة وعلماء الدنيا وأهل الهوي من الصياح في كل حدب وصوب والكلام في الدين بلا رادع من دين ولا قانون.
فينبغي علي العلماء والدعاة في هذه الحالة من استخدام الإعلام الإسلامي البديل كالقنوات الفضائية التي يملكها مسلمين راغبين في رضا الله تعالي-وكذلك مواقع الإنترنت والصحف والمجلات الإسلامية الخاصة التي لا سلطان للدولة عليها للدعوة إلي الله تعالي-بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين لا بالعنف والتخريب كما قال -تعالي-:{ ادْعُ إلي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }(7 ) .
وهذه الوصايا في ظني كفيلة لعلاج الغلو والانحراف الدعوي ولا يخفي أن في غيرها من الوصايا التي في معناها وتدور في فلكها ما يجعل المجال الدعوي يتسم بالوسطية والاعتدال ويبعد عن التشدد والغلو والله المستعان وعليه التكلان.
ونسأل الله –عز وجل أن تكون هذه الوصايا الشرعية لعلاج الغلو وانحراف الفكر الدعوي نبراساً لأهل الحل والعقد أن أخلصوا النية لله تعالي لحل مشكلة الغلو والتطرف بعيداً عن الحلول التقليدية التي تزيد من مشكلته لقصورها في فهم أغوار النفس البشرية والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
------------------
(1 ) - أخرجه البخاري (برقم/ 6069)- باب ستر المؤمن على نفسه -تحقيق/ محمد زهير بن ناصر الناصر-نشر دار طوق النجاة /بيروت-لبنان-الطبعة: الأولى
(2 ) - انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري(10/487)-لابن حجر العسقلاني-نشر دار المعرفة - بيروت، 1379- ترقيم/ محمد فؤاد عبد الباقي
(3 ) -آل عمران:104
( 4) - آل عمران:110
(5) - انظر " تيسير الرحمن في تفسير كلام المنان" لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص/143 )- الناشر : مؤسسة الرسالة- تحقيق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق- الطبعة : الأولى 1420هـ -2000 م.
(6) - الأمن الاجتماعي في الإسلام"دراسة مقارنة" (ص:44 )-د.أسامة السيد عبد السميع-دار الجامعة الجديد- الإسكندرية مصر-سنة 2009م
(7 ) - النحل: 125