الوصايا الشرعية للسعادة الزوجية
الحلقة الخامسة والأخيرةإن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.......
الوصية السابعة
إفشاء السلام والبشاشة عند الدخول لمنزل الزوجية:
إن مما يقرِّب القلوبَ، ويزيد من الأُلفة والمحبة بين الزوجين - إفشاءَ السلام، وحسنَ استقبال كلٍّ من الزوج لزوجه عند دخوله منزل الزوجية، ومما ينفرهما ويبعدهما تعمُّد تركِ إفشاء السلام أو نسيانه؛ لأن الشيطان عندئذٍ ينفُثُ سمومه لنشر الحقد والوقيعة؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلون الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلامَ بينكم))[32].
قال النووي في شرح الحديث ما مختصره:
"وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلون الجنةَ حتى تؤمنوا))؛ فهو على ظاهره وإطلاقه، فلا يدخل الجنةَ إلا مَن مات مؤمنًا وإن لم يكن كامل الإيمان؛ فهذا هو الظاهر من الحديث.
وأما قوله: ((أَفشوا السلام بينكم))؛ فهو بقطع الهمزة المفتوحة، وفيه الحثُّ العظيم على إفشاء السلام وبذلِه للمسلمين كلهم؛ مَن عَرَفت، ومَن لم تعرف... ثم قال:
والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكُّنُ أُلفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهارُ شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين"؛ اهـ.
قلت: وإن كان هذا بين المسلمين، فكيف يكون الحال بين الزوج وزوجه؟!
قال ابن القيم - رحمه الله - في هَدْيه - صلى الله عليه وسلم -عند دخوله إلى منزله[33] ما مختصره: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - ليَفْجَأ أهله بَغْتَة يتخوَّنهم، ولكن كان يدخل على أهله على علمٍ منهم بدخوله، وكان يسلِّم عليهم، وكان إذا دخل بدأ بالسؤال، أو سأل عنهم، وربما قال: ((هل عندكم من غداء؟))، وربما سكت حتى يحضر بين يديه ما تيسَّر، ويذكر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا انقلب إلى بيته: ((الحمد لله الذي كفاني وآواني، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي منَّ عليَّ فأفضل، أسألك أن تُجِيرني من النار))[34].
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأنس: ((إذا دخلتَ على أهلك، فسلِّم؛ يكنْ بركةً عليك وعلى أهلك))، ثم قال: وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل الرجُلُ بيتَه فذكر اللهَ عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مَبِيتَ لكم ولا عشاءَ، وإذا دخل فلم يَذكُر اللهَ عند دخوله، قال الشيطان: أدركتُم المَبِيت، وإذا لم يذكر اللهَ عند طعامه، قال: أدركتم المَبِيت والعَشاء))[35]؛ اهـ.
وبعد هذا الكلام القيِّم لابن القيم - رحمه الله - يُدرِك كلٌّ من الزوج وزوجه الأجرَ العظيم الذي يناله في إفشائه للسلام، والتبسُّم والبشاشة عند اللقاء.
ثم إن استقبال الزوج لزوجه عند دخوله لمنزل الزوجية - مع بشاشة الوجه والتبسم - ليبعث في القلب تفاؤلاً يمحو كل أثرٍ لِهَمٍّ أو غمٍّ يعكِّر صفو العَلاقة الزوجية، ويُعِين كلاًّ من الزوجين على المضي قدمًا لإرساء دعائم السعادة الزوجية.
• وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة..))[36].
الوصية الثامنة
احترام وتوقير الأهل والحث على صلة الرحم:
قد يكون أهلُ الزوج أو الزوجة - كالأم أو الأخ أو غيرهما - لا يكفُّون عن الكيد لأحدهما لسبب من الأسباب؛ مما يجعل الزوج أو الزوجة يرفض ذهاب شريكه لزيارة أهله، ويطلب منه القطيعة، وربما تخرج منه كلمةٌ بقصد أو بغير قصد فيها إهانة لهم، تجرح مشاعرَ الطرف الآخر، وهذا كله أمر مرفوض، كما أنه لا يؤدي إلى استقرار الحياة الزوجية، بل إلى فسادها، ويعصف بها ويهدم دعائمها التي تقوم على المودة والرحمة، وينبغي معالجة كل ما يتعلَّق بأهل الزوجين - مهما كانت عداوتهم - بدون تجريح، مع التماس الأعذار لهم، والاتفاق على التزام تعاليم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في علاج المشاكل التي تتعلَّق بالأهل، وفيهما القول الفصل؛ بعيدًا عن الهوى والانتصار للنفس انتصارًا زائفًا على أطلال العَلاقة الزوجية بينهما.
قال - تعالى -: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22 - 23].
وقال الذهبي في الكبائر[37]ما مختصره - وبتصرف يسير -:
"قال الله - تعالى -: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1]؛ أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها...، وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنةَ قاطعُ رحم)) [38]؛ فمَن قطع أقاربه الضعفاء، وهجرهم وتكبَّر عليهم، ولم يَصِلْهم ببره وإحسانه وكان غنيًّا وهم فقراء، فهو داخلٌ في هذا الوعيد، محروم من دخول الجنة، إلا أن يتوبَ إلى الله - عز و جل - ويُحسِن إليهم... وإن كان فقيرًا وَصَلهم بزيارتهم والتفقد لأحوالهم... ثم قال:
قال - صلى الله عليه وسلم -: يقول الله - تعالى -: ((الرَّحِم معلَّقة بالعرش، تقول: مَن وصلني وصله الله، ومَن قطعني قطعه الله))[39].
وعن عليٍّ - رضي الله عنه - أنه قال لولده: "يا بُنَي، لا تصحبنَّ قاطعَ رحمٍ؛ فإني وجدتُه ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواضع"؛ اهـ.
وختامًا:
أسأل الله - تعالى - أن تكون هذه النصائحُ سببًا في إصلاح ما بين الرجل وزوجه، وأن تُعِين كلَّ زوجينِ في بداية حياتهما الزوجية على إدراك سبل السعادة الزوجية، والتماس تعاليم الدين والالتزام بها؛ لأن فيها خيرَ الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وآله وصحبه أجمعين.
رابط الموضوع والرسالة كلها للتحميل من علي موقع الالوكة :
http://www.alukah.net/social/0/46447/#ixzz4uks1m4QIأو تحميل من موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=8&book=11026