الفجر والليال العشرالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي النبي الآمين وبعد..
اليوم أول أيام العشر من ذي الحجة التي أقسم الله تعالي بها في كتابه الكريم فقال-عز وجل
1: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ -الفجر: 1 - 3.
والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين
وهناك بعض الملاحظات الهامة لهذه الأيام المباركة نلفت النظر إليها :
-من ذلك أن هذه الأيام كما لا يخفي أيام ذكر و تسبيح و تهليل قال تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28] وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة
ومن ذلك أن النبي شهد لها بالفضل فقال فيما يرويه عنه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) (رواه البخاري)
وهناك من الناس من يظن أنها أيام صيام فقط وليس كذلك بل النبي لم يحدد بل وصف العبادات في أيامها بالعمل الصالح وقطعا صيامها من الاعمال الصالحة ولكن دون القول بأن صيامها كله سنة بل يجوز فيها الصيام ويجوز فيها الفطر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها والصيام منه قطعاً وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام النووي وقال: صيامها مستحب استحباباً شديداً، ولكن لم يثبت أن النبي حث علي صيامها كلها اللهم إلا يوم عرفه كما سيأتي.
وعلي النقيض يتكلم من لا يعلم ويقول بكراهية صيامها ويشتشهد بحديث عائشة - رضى الله عنها - قالت "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائما فى العشر قط ".
رواه مسلم في صحيحه برقم 2846 [3 /175] باب صوم عشر ذي الحجة
وقد رد العلماء الثقات علي هذه الشبهة:
-قال النووي- رحمه الله-واما حديث عائشة قالت " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط وفى رواية " لم يصم العشر " رواهما مسلم في صحيحه فقال العلماء هو متأول على أنها لم تره ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام والباقي عند باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أو لعله صلى الله عليه وسلم ، كان يصوم بعضه في بعض الأوقات وكله في بعضها ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما وبهذا يجمع بين الاحاديث .المجموع شرح المهذب (6 /387)
-وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني- رحمه الله- :" واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل , واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد , وأجيب بأنه محمول على الغالب , ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت ( ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط ) لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته , كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضاً . فتح الباري 2/ 593
وهذا الرد يكفي لبيان ورد هذه الشبهة ‘لي استحباب الصيام فيها.
ويستحب كذلك أن يكثر المسلم من قراءة القرآن وترتيله والذكر بالتحميد والتهليل والتكبير وكذلك الصدقة فيها ،وقيام ليلها وصلة الرحم وغير ذلك من أنواع الطاعات والأعمال الصالحات فهي أياماً مباركة.
-ومن ذلك يسن فيها صيام يوم عرفه وهو اليوم التاسع منها ومن أفضل أيام الدنيا لماذا؟
لأنه يوم تعتق فيه الرقاب من النار و ترفع الدرجات و يتجلى فيه رب الأرض و السماوات ، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(فضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال : ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب"- رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني
-و يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم قال الله- عز وجل- : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [سورة التوبة : 39]. والأشهر الحرم هي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة
وصيام عرفة سنة عن نبينا وفيه فضل خاص لصيامه دون هذه التسع قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة : "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة" رواه مسلم وهذا لغير الحاج وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف.
. ودليل ذلك حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -قال: "أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «يومُ عرفةَ، ويومُ النَّحرِ، وأيامُ التشريق: عيدُنا أهلَ الإِسلام، وهي أيامُ أكل وشُرْب». أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
-ومن ذلك أن فيها يوم النحر :
وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم "أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر"-رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.
والخلاصة أن أيام العشر من ذي الحجة لجدير بكل مسلم ومسلمة الحرص علي ابتغاء مرضاة الله بالأعمال الصالحة والإخلاص فيها بقدر ما يستطيع فكما قال ابن حجر- رحمه الله –في الفتح : "والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره".
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي النبي وآله وصحبه أجمعين.