فضل العشر الأوائل من ذي الحجةنبدأ عاماً هجرياً جديداً، ولكن شهر ذي الحجة اختصه الله بأعمال وعبادات جمعت بين شرف الزمان والمكان وجمع في العشر الأوائل منه أمهات العبادات والفضائل من صلاة وحج وزكاة وصيام وهلم جرا...
لذلك قال ابن حجر-رحمه الله- في الفتح: "والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره". -انظرفتح الباري بشرح صحيح البخاري- 2/534
وعلي هذه السطور نبين هذه الفضائل والعبادات لتحفيز كل مسلم ومسلمة لعلو الهمة وابتغاء الثواب العظيم في أيام
فهلموا أحبتي نشمر عن ساعد الجد ونعلو من همتنا وآمالنا بالرحمة والمغفرة من رباً كريمًا رحيماً يجازي عبادة بالثواب الجزيل عن العمل القليل .
فضل العشر الأوائل من ذي الحجة :لقد خص الله هذه الأيام المباركة من ذي الحجة ودليل ذلك أنه جعل الأعمال الصالحة فيها أفضل من الجهاد في سبيله إلا من استني رسول الله-صلي الله عليه وسلم-في الحديث، وهذا لشرفها وفضلها كما لا يخفي وفي ذلك ثبت عند البخاري مرفوعًا: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".صحيح البخاري، (969) وصحيح سنن الترمذي، (757) واللفظ له.
ونزيد عن ذلك أن الله تعالي شرّفها وكرّمها، فأقسم بها في أوّل سورة الفجر ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ وهذه الليالي هي أيام العشر الأول من ذي الحجة قال ذلك كثير من علماء التفسير عند تفسيرهم للآية الكريمة .
قال ابن كثير : والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف.اهـ-تفسير ابن كثير" 8/390"
وقد يقال هي العشر الاواخر من رمضان ولكن ليس هناك ما يمنع أنها العشر ذو الحجة وهو الراجح عند أهل التفسير والعلم- والله تعالي أعلم -
-وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى- (25/154 ) عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. انتهي
وقد يسأل المسلم وماهي الأعمال الصالحة المطلوبة في هذه الأيام المباركة؟
والإجابة بسيطة فهي كثيرة ومتنوعة لا تخفي علي أحد منا وعلي سبيل المثال لا الحصر:
** قراءة القرآن وتعلمه - والاستغفار والذكر- وبر الوالدين والإحسان إليهما - وصلة الأرحام والأقارب - وإطعام الطعام – واكرام الضيف-وإفشاء السلام - والإصلاح بين الناس ومساعدتهم - والإحسان إلى الجيران-والابتسامة والبشاشة في وجه أخيك- - والإنفاق في سبيل الله - وإماطة الأذى عن الطريق - وكفالة اليتيم - وحفظ اللسان- وزيارة المرضى ومواساتهم - والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - - والدعاء للإخوان بظهر الغيب - وأداء الأمانات إلي أهلها- والوفاء بالعهد والوعد - وغض البصر عن محارم الله - وإسباغ الوضوء علي المكاره- والدعاء بين الآذان والإقامة -والمحافظة على صلاة الجماعة وتعمير المساجد بالصلاة - والمحافظة على السنن الراتبة - والحرص على صلاة العيدين - وإدخال السرور على المسلمين - وسلامة الصدر وترك الشحناء – وغير ذلك كثير.
وعلي السطور التالية بعضاً من الأعمال بشيء من البيان والتفصيل مما ثبت فضله في هذه الأيام في الكتاب والسنة لتشحن الهمم وزيادة العزيمة والله المستعان.
من ذلك:
1-المبادرة إلي التوبة إلي الله تعالي :أبدأ من بداية السنة الهجرية صفحة جديدة مع الله تعالي وهو القائل ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].
فالكذب والسب والغيبة والنميمة والسرقة والتشاجر والخصام واذي الجار واذية الزوج لزوجه وغير ذلك من قبائح الأعمال كلنا نقع فيها إلا من رحم ربي ولكنها بفضل الله وكرمه كلها أمام عظمة الله ورحمته لن يكون لها اثر ومن أخلص النية سترها الله عنه يوم الحساب وكل ابن آدم خطاء فمن البصيرة أن يبادر المسلم بالتوبة ويستغل فضل هذه الأيام بإصلاح حياته وحفظ جوارحه وترويض نفسه الأمارة بالسوء لرضا خالقها عز وجل وافلح أن فاز.
2
- ومنها ذكر الله تعالي : قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]، وقال أيضًا: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 27، 28]. فالأيّام المعدودات هي العشر الأُول من ذي الحِجّة.
,وذكر الله تعالي قد يكون بالتكبير والتهليل والتحميد وفي البخاري رحمه الله-: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما"، وقال أيضًا: "وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهلل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً"- رواه البخاري معلقاً في الجمعة-باب فضل العمل في أيام التشريق
وصيغة التكبير: ورد فيها عدة صيغ مروية عن الصحابة والتابعين منها: -
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا. - الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، والله أكبر، ولله الحمد. - الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. فيُسن التكبير مطلقاً في عشر ذي الحجة وينتبه أن المقصود بالتكبير ليس الجماعي المتعمد والمقصود وما فيه من مخالفة للسنة بل كما قال علمائنا إنما هو أن يكبر كل إنسان لنفسه ، ولا يمشي على صوت غيره وأن اجتمعوا بعد ذلك دون قصد فلا بأس وقالوا: أن أبا هريرة رضي الله عنه ، وابن عمر رضي الله عنهما ، إنما كانا يخرجان إلى السوق فيكبران في هذا المكان الذي تغلب فيه غفلة الناس وانشغالهم ، فيتذكر الناس التكبير ، فيكبر كلٌّ على حدة ، إثر ذلك التذكر ، فيكثر المكبرون لأجل ذلك . انتهي كلامهم
وهذه السنة أضاعها الناس اليوم فليس التكبير في أيام العيد وأيام التشريق فقط بل وفي هذه الأيام المباركة من ذي الحجة،وفي فتوي للعلامة ابن باز عن التكبير قال: أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة؛ لقول الله سبحانه{:لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} الآية، وهي أيام العشر، وقوله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} الآية، وهي أيام التشريق؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل" رواه مسلم في صحيحه برقم /1141. ، وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما: "أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما...إلي آخر ماقال فضيلته-رحمه الله."انتهي - انظر كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز "13/17"
3-ومنها الصوم : وخصوصا يوم عرفة فقد ثبت أن النبي-صلي الله عليه وسلم-قال: "إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".
والصيام عموما من الأعمال الصالحة ويكفي في ذلك للتدليل حديث«مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" وهناك حديث عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم-وهي حفصة- رضي الله عنها- قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس." رواه أبو داود(2437)وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم/2106
ولكن هناك اشكال عند البعض لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قولها: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما في العشر قط"
ولهذا يري البعض عدم صيامهم جميعا بل الصيام كغيره من الأعمال الصالحة وهذا كلام صحيح ولكن يجوز بلا كراهة لأحاديث أخري صحيحة والله أعلم وأحكم.
وقال الإمام النووي عن صوم أيّام العشر أنّه مستحب استحباباً شديداً-انظر شرح النووي لصحيح مسلم، (9/1176)
4-ومن الأعمال الصالحة قطعا الصلاة: وهي الصلة بين العبد وربه وكذلك الصدقة وذبح الأضحية ولا ريب أن الذبح وفضله والذي يتم في اليوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم العيد لا يخفي وسبق نشر أحكام الأضحية ولله الحمد .