(6) الأصل في العبادات التوقف
احتفال بعض النَّاس بالأعياد المبتدعة التي ما أنزَل الله بها من سلطان؛ كعيد الحبِّ أو عيد الأمِّ، أو ما أشبه هذا ممَّا لم يرد فيه نصٌّ شرعي، وليس في الإسلام في السَّنَة الهجرية إلَّا عيدانِ: عيد الأضحى، وعيد الفِطر.
ومعلوم أنَّ عيد الحبِّ أو عيد العشاق أو ما يُطلِق عليه أهل الدنيا عيد (الفلنتاين) هو عيدٌ من أعياد النَّصارى، يختلط فيه الجِنسان، ويتبادلون الزهورَ والقلوب الحمراء، أو ما أشبه ذلك من المنكرات، وهو من الأعياد المبتدعة، فلم يأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالاحتفال به؛ بل ثبت من هديه أنه قال: ((مَن أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))[1].
ومعلوم أنَّ الأصل في العبادات التَّوقيف؛ فلا يجوز لأحد أن يتعبَّد بما لم يشرعه الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الأعياد شريعة من الشَّرائع، فيجب فيها الاتِّباع، لا الابتداع"[2].
ولا يخفى أنَّ فيه تشبُّهًا بالكفَّار، وقد ثبت مِن هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن تشبَّه بقوم، فهو مِنهم))[3].
هذا من جهة الاحتفال به والمشاركة فيه، فهو عمَل محرَّم في نفسه، لكنَّ الحبَّ من جهة الشرع وعلى إطلاقه بلا قيود موافِق للشَّرع؛ فالعبد قد يحبُّ النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا حبٌّ مَشروع ومن الإحسان المطلوب؛ لحديث: ((لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحب إليه مِن ولده ووالده والنَّاس أجمعين))[4].
• وكذلك من الإحسان للخَلق: الودُّ والحب للزوجة أو الأبناء، ومنه حبُّ الوالدينِ والصالحين والتواضع لهم، وغير ذلك من أنواع الحب، فكله على إطلاقه مباح شرعًا وغير محرَّم في نفسه؛ بل يُثاب عليه العبد لِموافقته للشَّرع الذي حَثَّ عليه.
أمَّا هذا الحب المحرَّم الذي يتحدَّثون عنه، ويشاهده أهلُ الدنيا في الأفلام أو يقرؤونه في القصص والحكايات، أو غير ذلك، ويخلو فيها الرجل بالمرأة الأجنبيَّة بحجة أنَّ الحب عاطفة نَبيلة ورومانسية إلى آخره - فهذا لا شك في تحريمه، وليس من هدي نبيِّنا صلى الله عليه وسلم الذي دعا إلى الغيرة على العِرض؛ فقال لما بلغه أنَّ سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: "لو رأيتُ رجلًا مع امرأتي لضربتُه بالسيف غير مُصفحٍ" فقال صلى الله عليه وسلم: ((أتَعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغيَرُ مِنه، والله أغير منِّي، ومن أجل غَيرة الله حرَّم الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن))[5].
هذا هو هدي نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وقِس على ذلك كل عمَل يُبتغى به التقرُّب إلى الله تعالى بالإحسان إلى الخلق في الدين والدنيا، لا بدَّ أن يوافق الشرعَ، وأن يكون جائزًا وغير محرَّم في نفسه.
----------------
[1] أخرجه مسلم برقم (1718) - باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدَثات الأمور.
[2] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم؛ لابن تيمية (2/ 123) - تحقيق: ناصر عبدالكريم العقل - الناشر: دار عالم الكتب، بيروت، لبنان - الطبعة: السابعة، 1419هـ - 1999م.
[3] صححه الألباني في الإرواء برقم (2384) - وانظر صحيح المشكاة برقم (4347).
[4] أخرجه مسلم برقم (44) - باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد.
[5] أخرجه البخاري برقم (7416) - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا شخص أغير من الله)).