5-أجعل القرآن رفيقكالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وبعد: القران الكريم كتاب الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه دراسته وحفظه والعمل به من أعظم الطاعات عند الله تعالي ومن أعظم سبل الاستقامة لمن تدبر آياته وعمل بها، وكفي في بيان ذلك قوله تعالي { إنَّ الَذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ وأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }-فاطر
فمن أراد بلوغ الطريق وزيادة همته ونشاطه فليجعل القرآن رفيق دربه في عمله ومسجده وبيته وسيارته وسفره وترحاله وليتذكر كل مسلم عظمة ثواب القرآن وترتيله .
-من ذلك قول النبي "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ( 1)
-وقوله "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" ( 2)
-وقوله "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " (3 ).. والأحاديث في ذلك كثيرة ولله الحمد والمنة
وليتذكر المسلم أن بداية النهاية في هجر القرآن والترهيب من ذ لك دلت عليه أحاديث منها:
-قوله تعالي: (وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً (30)- الفرقان
قال ابن كثير في تفسيرها ما خلاصته:
يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال [ يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ] وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } الآية فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه فهذا من هجرانه وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه وترك تدبره وتفهمه من هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء أن يخلصنا مما يسخطه ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ
كتابه وفهمه والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب .( 4)اهـ
-وقول النبي "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر "( 54)
والمطلوب من المسلم العالي الهمة أن يرتل ويعمل به فقد كان النبي قرآن يمشي علي الأرض وكذلك تأسي به صحابته ونحن ينبغي لنا أن نعمل به وأن حفظ بعضنا القرآن فبها ونعمت وأن لم يحفظه كله فليجتهد ليتذكره ويدرسه وعليه أن يلتمس عدة وسائل ثبتت فائدتها بالتجربة في إعانة حافظ القرآن على حفظه وعدم نسيانه، وأذكر هنا ثلاثة وسائل منها، وأكثرها شيوعًا بين حفظة القرآن والله المستعان من كتابي المنشور علي الانترنت "كيف تعالج نسيان القرآن" وممكن تحميله من الرابط
الوسيلة الأولى: إخلاص النية لله تعالى: قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (أخرجه البخاري في بدء الوحي ح/1
الوسيلة الثانية: أن يتخير الرفقة الصالحة من حملة القرآن: الرفقة الصالحة من حملة القرآن تعين مريد القرآن على استمرار تعلقه بكتاب الله وعدم هجره ونسيان شيء منه؛ لأن حافزهم مشترك، فكما أنه يجب على من يبتغي إتقان حفظ القرآن أن يتلقى ذلك على يد معلم حافظ متقن لأحكامه، كذلك ينبغي لمريد القرآن أن يلتمس الرفقة الصالحة مع من هو مثله عالي الهمة، يجود بوقته وجهده وماله في سبيل حفظ القرآن وتدبره، ودراسة عجائبه، وفهم أسراره وتفسيره. وكل ذلك شرف لا يدانيه شيء أبدا، هذا فضلًا عن الثواب العظيم لحملة القرآن في الدنيا والآخرة، أما الصحبة السيئة التي تلهي المريد عن القرآن والطاعة، وتضيع الوقت في اللهو واللعب، فذلك هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، وقال النبي صل الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (أخرجه الترمذي في الزهد [ح/2378]، وحسن الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة [ح/ 927]).
الوسيلة الثالثة معرفة تفسير الآيات وفهمها: فهم معنى الآيات التي يحفظها مريد القرآن وتفسيرها يسهم قطعًا في سهولة حفظها، والعكس صحيح، لأن من استغلق عليه فهم معنى آية وجد مشقةً في حفظها، يقول الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق في (القواعد الذهبية): "من أعظم ما يعين على الحفظ فهم الآيات المحفوظة، ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض. ولذلك يجب على الحافظ أن يقرأ تفسيرًا للآيات التي يريد حفظها، وأن يعلم وجه ارتباط بعضها ببعض، وأن يكون حاضر الذهن عند القراءة وذلك ليسهل استذكار الآيات عليه، ومع ذلك فيجب أيضًا عدم الاعتماد في الحفظ على الفهم وحده للآيات، بل يجب أن يكون الترديد للآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق اللسان بالقراءة وإن شت الذهن أحيانًا عن المعنى، وأما من اعتمد على الفهم وح، ده فإنه ينسى كثيرًا، وينقطع في القراءة بمجرد شتات ذهنه، وهذا يحدث كثيرًا، وخاصة عند القراءة الطويلة".انتهي
أما من الآداب تعين مريد القران علي حفظه
ينبغي لمريد القران أن يتأدب بآداب عند تلاوته للقران ويلتمس الوسائل التي تعينه وتيسر له الحفظ الجيد وبالتبعة عدم نسيانه .
قال النووي في التبيان ص/13:
وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق بالخفية ويعوده الصيانة في جميع أموره الباطنة والجلية ويحرضه بأقواله وأفعاله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات ويعرفه أن لذلك تنفتح عليه أنوار المعارف وينشرح صدره ويتفجر من قلبه ينابيع الحكم واللطائف ويبارك له في علمه وحاله ويوفق في أفعاله وأقواله.اهـ
وينبغي لمريد القرآن أن يرتل ما يحفظه دومًا في كل صلواته، وخصوصًا في القيام لأنه بركةٌ وشرف للمؤمن، قال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16-17]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات». ومن ثم فقيام الليل من أعظم الوسائل لعلاج نسيان القرآن، وهو أفضل قطعًا من تسميع المريد نفسه أو غيره ليطمئن لقوة حفظه واستيعابه.
-ونقطة أخيرة لمن يريد أن يكون من أهل القرآن ألا وهو أن يقرأ ويعمل بفقه القرآن ولا يكون ممن لايفقه الحلال من الحرام ولا يميز الحق والباطل فكثير ممن يحفظ تاه وضل طريق الهداية والاستقامة وحبطت عزيمته لأن القرآن لا يجاوز حناجره بل لابد من التعلم والعمل بما فيه والعلم أمر به الله ورسوله –صلي الله عليه وسلم
قال تعالي: { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {114} } ( طه 114 )
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)-الترمذي في العلم ومسلم في الذكر والدعاء
وأهم ما يجب علي طالب العلم أن يفعله بعد أن يجعل القرآن رفيقه وحتي لا يفسره ويطبقه
علي هواه:
1- أن يجتهد من البداية في معرفة المنهج الصحيح للدين بفهم أهل السنة والجماعة..
وأننا كمسلمين منهج حياتنا هو كتاب الله وسنة رسوله-صلي الله عليه وسلم- فمن يلتزم بالكتاب والسنة فقد أفلح وفاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
2-أن يحضر درسا أسبوعيا علي الأقل .. في المسجد أو عن طريق الاستماع أو المشاهدة .وليثقل سماعه بالبحث والاطلاع في الكتب التي تعينه عن فهم القرآن بفهم لسلف .
3-أن يسأل ويستفسر حتي يستوثق من الصواب لتوضيح ما لم يفهمه ولتكن أسئلته في المهم وليس في إشكالات وتفاهات تضيع الوقت والجهد وإنما ما ينفع دينه ودنياه
وليحذر من آفات التعلم من الكبر والغرور وليتأدب لشيخه بالاحترام والتواضع وحسن الاستماع وعدم المقاطعة دون سبب ليتفاخر بين أقرانه فمازال في بدابة الطريق.
4-أن يعمل بما يعلم ويقرأ ولا بكون ممن لا يفقه فيضل ويشقي، وما أجمل ما ذكره أبو حامد الغزالي في الأحياء من كلام الخليل بن أحمد ..الرجال أربعة
رجل يعلم ويعلم انه يعلم *** فذلك عالم فاعرفوه
ورجل يعلم ولا يعلم انه يعلم *** فذلك غافل فايقظوه
ورجل لا يعلم ويعلم انه لا يعلم *** فذلك جاهل فعلموه
ورجل لا يعلم ولا يعلم انه لا يعلم *** فذلك احمق فاجتنبوه
5-المجاهدة والصبر علي العمل مهما كان الاحباط
فالكثير ممن هداه الله بالقرآن يحبطه أدني عقبة في طريقه مع أنه مأمور بالمجاهدة والصبر علي الأذي والمجاهدة السلاحَ القوي للدفاع عن الدين كلِّه؛ من النفس الأمَّارة بالسوء، ومن وساوس الشيطان، ومن أعداء الدين، ومَن تسوِّل له نفسه أن يحارب التزامه وتمسكه بالقرآن والسنة ولكن ليتعلم الصحيح من الدين وليس بالتشدد و التنطع بالشاذ من الأقوال بما لم يأمر به الشرع ولولا المجاهدةُ، وخاصة مجاهدة النفس، لَمَا استطاع المسلم أن يستقيم علي الطريق.
والمجاهدة تحنتاج لصبر وحكمة وقوة إرادة وعزيمة لا تلين قال -تعالى-: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78]؛
وقال تعالي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}-آل عمران
وفي هذه الخمسة الكفاية لمن أراد أن يكون من أهل القرآن .
----------------------
1- أخرجه البخاري في فضائل القران ح/ 5027 , والترمذي في فضائل القران ح/2907, وأبو داود في الصلاة ح/ 1425
2- أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ح/798 , والبخاري نحوه في التفسير ح/4937
3- أخرجه الترمذي في فضائل القران ح/2914 , وانظر صحيح الجامع ح/8122, ومشكاة المصابيح ح/2134 للألباني- رحمه الله تعالي
4- أنظر تفسير القران لأبن كثير ( 3/423)
5 - أخرجه البخاري في الأطعمة ح/ 5427 , ومسلم في صلاة المسافرين ح/ 797 واللفظ للبخاري