الفصل الرابع: منكري السنة والقدح في الأئمة الأعلام "
الإمام البخاري من الأئمة الأعلام في علم الحديث وكتابه الصحيح من أصح كتب الأحاديث التي تقبلته الأمة كلها بالقبول , ولكنه صار العدو اللدود لمنكري السنة أو القرآنيين الذين طعنوا في صحيحه بحجة إنه يخالف القران , واتهموه بالكذب والتدليس وسوف نرد علي ما أثاروه من شبهات , ولا عجب أن يقول زعيمهم في هذا العصر والذي مات مقتولا في أمريكا بعد أن فاض به الكيل وعجز عن الكيد لسنة النبي -صلي الله عليه وسلم- .قال قبل موته "أن السنة هي الشيطان – وقال: أن علماء المسلمين وثنيين والإمام البخاري كافر .." ولسنا في حاجة إلي ذكر أسمه أو أسماء غيره من منكري السنة لأننا نلتزم في بحثنا هذا علي الوقائع والحقائق ملتزمين بآداب البحث العلمي بعيدا عن أسلوب السب والتجريح والتشهير وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أما الدفاع عن البخاري نفسه فليس هو في حاجة إلي ذلك فقد شهد له الجميع بالسبق ومكانته العلمية وقوة حفظه وأمانته من علماء عصره حتي أعدائه شهدوا له بقوة ذكائه وحفظه وفي هذا ما يكفي ويشفي, واليك بعضا من الأحاديث التي ردوها وعابوا علي البخاري روايته لها وقدحوا في أمانته بسببها , مع بيان ما عجزت عقولهم علي فهمها وإدراك معناها والله المستعان .
- الحديث الأول: أخرجه البخاري في الطب قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله , ثم ليطرحه فإن في أحدي جناحيه شفاء وفي الأخر داء )
قالوا .كيف تكون الذبابة بما فيها من جراثيم دواء, وهل يعقل أن يجتمع الداء والدواء .
نقول وبالله التوفيق إن الحديث في أعلي درجات الصحة وكل ما في صحيح البخاري صحيح , ولا مانع عقلا من وجود الداء والدواء , ولنا في القران نفسه الدليل أن كانوا حقا يؤمنون بالقران ولا ينكرونه وإلا لم يعد للرد فائدة لأنه ليس بعد الكفر ذنب .
قال تعالي (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) -النحل ) ففي الآية أن النحل فيه دواء فكما أنها تلسع وتضر ففي عسلها شفاء من كثير من الأمراض كما لا يخفي,ولو فهمنا هذا وأمنا به فكيف لا نؤمن بقوله -صلي الله عليه وسلم- بقوله في الذبابة مع أن الأمر متشابه ولا يمنع وجوده عقلا .
والحق إن هذا الحديث يعتبر من معجزات النبوة لو كانوا يعقلون ويؤيد ذلك قوله نعالي ( وما ينطق عن الهوي إن هوي إلا وحي يوحي ) النجم3-4
- الحديث الثاني :أخرجه البخاري في باب خلق ادم وذريته وبعض متنه (..لولا حواء لم تخن أنثي زوجها ) قالوا هذا الحديث يتعارض مع العقل إذ كيف تخون حواء ادم مع رجل أخر ولا رجل إلا هو ؟1!
قلت:الرد علي ذلك يسير لمن كان له عقل , فمن أين علم القوم أن المقصود بالخيانة هنا الخيانة الزوجية وبدهي ليس هناك غيرهما !!!
ونقول الخيانة مدلولاتها كثيرة فهي قد تكون خيانة زوجية ,أو خيانة في عدم نصر المظلوم بالأخذ علي يد الظالم ,أو خيانة العقيدة كما في حال امرأة نوح وامرأة لوط كما قال تعالي:".. كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا "التحريم/10, أو التي تحدث بين شريكين أو ما أشبهه ذلك , ولأن المثل المضروب من النبي -صلي الله عليه وسلم- هنا بآدم وحواء فليس من العسير أن نفهم نوع الخيانة هنا, ولنرجع لكتاب الله وفيه الجواب لما غاب عن عقولهم .. قال تعالي :
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ..(36)-البقرة
والآيات تدل علي أن الطرف الثالث هنا وهو سبب الخيانة هو الشيطان !! فهل يعقل أن تخون حواء زوجها مع الشيطان علي حسب ما ذكروه من مفهوم الخيانة عندهم!! ..طبعا لا .. لأن الخيانة هنا أنها شاركت الشيطان في تزيين الأكل من الشجرة المحرمة لأدم . وهذا ما فطن إليه الحافظ ابن حجر عند شرحه للحديث قال : وقوله " لم تخن أنثى زوجها " فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك , فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم , ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول , وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا , ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له , وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها .اهـ
- الحديث الثالث : ما أخرجه البخاري في التوحيد ومسلم نحوه (عن أبي هريرة أن نبي الله سليمان عليه السلام كان له ستون امرأة فقال لأطرفن الليلة على نسائي فلتحملن كل امرأة ولتلدن فارسا يقاتل في سبيل الله فطاف على نسائه فما ولدت منهن إلا امرأة ولدت شق غلام قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لو كان سليمان استثنى لحملت كل امرأة منهن فولدت فارسا يقاتل في سبيل الله) .
قالوا بجهالة: لو سلمنا إن سليمان –عليه السلام-يحل له مائة امرأة !! وأنه جامعهم في ليلة واحدة , ولنقل أن كل جماع سيستغرق علي الأقل عشرون دقيقة : " مابين حل الملابس والسروايل .. الخ , والجماع , والتشطيف , والانتقال إلي المرأة التالية – وإن كل هذا لن يقل بحال عن ساعة فيكون الوقت المطلوب =100امرأة × 20 دقيقة =2000دقيقة , عدد الساعات المطلوبة=2000÷ 60=33 ساعة – (وبعد هذه الحسبة المملة والظريفة ) قالوا : فأي ليل يا أهل الافتراء الذي يحتوي علي 33ساعة أو عشرون فقط ؟
ولن نرد عليهم بمثل هذه الحسبة فهي شبهة واهية ينفيها القران نفسه ولنجعله بيننا وبينهم حجة ونقول بتوفيق الله نعالي , بدهي أن سيدنا سليمان نبيا مؤيدا من الله تعالي ومميزأ عنهم بآيات باهرات .. قال تعالي : (ووَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إنَّ هَذَا لَهُوَ الفَضْلُ المُبِينُ (16) وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) )-النمل, وفي سورة ص: قال تعالي (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) والشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وغَوَّاصٍ (37) وآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وإنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وحُسْنَ مَآبٍ (40) )
فإذا منّ الله علي النبي سليمان -عليه السلام -بهذا الملك العظيم , فيكون من الخطأ والظلم أن نقيس قوله بمقاييسنا نحن فهذا إجحاف بالنبوة وكرامتها .
قال النووي في شرح مسلم : قوله صلى الله عليه وسلم : ( كان لسليمان ستون امرأة ) وفي رواية : ( سبعون ) وفي رواية : ( تسعون ) وفي غير صحيح مسلم ( تسع وتسعون ) وفي رواية : ( مائة ) . هذا كله ليس بمتعارض لأنه ليس في ذكر القليل نفي الكثير , وهو من مفهوم العدد , ولا يعمل به عند جماهير الأصوليين , وفي هذا : بيان ما خص به الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم من القوة على إطاقة هذا في ليلة واحدة , وكان نبيا صلى الله عليه وسلم يطوف على إحدى عشرة امرأة له في الساعة الواحدة , كما ثبت في الصحيح , وهذا كله من زيادة القوة , والله أعلم .اهـ
وللقوم شبهات كثيرة علي كثير من الأحاديث مالا يسمح به هذا المختصر الوجيز ا للرد عليهم , وهي بفضل الله شبهات واهية قد رد عليها علمائنا في مؤلفاتهم القيمة وبينوا زيفها وضلالتها ولله الحمد والمنة.
والله من وراء القصد وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين