أخراج زكاة الفطر ؟كما قلت نحن في حاجة لتوحيد الجهود للدفاع عن الثوابت ممن لايتق الله فينا في هذه الأيام العجاف ،بداية من وزير أوقافنا مرورًا بشلة من العلماني.ين والإعلاميين وأرباب الفن للنيل من ثوابتنا ومقدساتنا ،وماكنت أحب أن نتكلم كغيرنا علي مسألة زكاة الفطر بعد أن عرفها القاصي والداني ،ومع ذلك جاءني سؤالًا قديمً وسبحان الله وكأنه أمس فأحببت نشره هنا لبيان ماينبغي للمسلم ، وقطعًا لن يكون فصل الخطاب ولن تنتهي المعركة ولكن ماعلي الرسول إلا البلاغ والله المستعان
سؤال من خلال(صفحة أنت تسأل والشيخ يجيب)
سؤال من أخ فاضل
شيخنا يحتار القلب كل عام بين اختلاف العلماء الأفاضل في إخراج زكاة الفطر هل يجوز مالاً أم لا؟
نتمني بيان هذه المسالة وأيهما الحق لان هذا وقتها ونحن نحترم كل علمائنا الافاضل؟
الجواب:
أخي الحبيب لك الحق في حيرتك ولكننا كما تعلم لا نقول إلا ما ثبت بالدليل فبغير الدليل الشرعي لقال كل ما يريد ما شاء ولا يخفي علي اللبيب خطورة هذا المسلك.
ونعم أنت علي حق في حيرتك فالمسألة التي يسأل عنها كل عام الجميع هي عن زكاة الفطر تدور علي اختلاف بين العلماء وانصارهم من الدعاة والعامة الكل جعلها مسألة حياة أو موت ويدافع عما يراه حقاً بعلم وبغير علم وانظر إلي صفحات الفيس بوك لسان حال الجميع هل زكاة الفطر يجوز إخراجها مالاً أم لا ؟
وليت شعري أين نحن من قوله تعالي( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7))-الحشر
والسؤال ماذا قال الرسول بما أوحي الله إليه في مسألة زكاة الفطر:
-أخرج البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»-بَابُ فَرْضِ صَدَقَةِ الفِطْرِ-رقم/1503
- وأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري، قال: " كنا نخرج زكاة الفطر من ثلاثة أصناف: الأقط، والتمر، والشعير "برقم/ (985)
- وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهر الصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. -وانظر صحيح المشكاة للألباني برقم/4
فأي خلاف يرد إلى الأصل والدليل الصحيح الصريح ولا اجتهاد مع نص وبدون دليل لقال من شاء ما شاء وضاعت السنن فهل هناك خلاف بأن الأصل إخراجها طعاماً.
أو في صحة الأحاديث في ذلك عن النبي –صلي الله عليه وسلم-؟
الجواب: قطعاً لا .
إذن لماذا الخلاف أصلاً؟
بسبب وجود بعض الأثار ولأن الفتوي تختلف باختلاف الأحوال للضرورة والمصلحة الشرعية لمجتمع ما في كل عصر ومصر مع الالتزام بروح النص الشرعي والرجوع للأصل عند الاختلاف .
وعلي سبيل المثال فقد رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم من أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال لأهل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم: "ائتوني بعرض ثياب خميس، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير، والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة".
فهذه مصلحة راجحة وليس هناك ما يمنع عند المصلحة والضرورة لإخراج النقود مكان الطعام في زكاة الفطر، إذا كان يترتب على إخراجها طعاماً مشقة لأنه معلوماً أن المشقة منتفية في هذه الشريعة الغراء.
ولكن أن يصير الحال والدفاع عن إحراجها مالاً بلا مبرر شرعي ودون ضرورة هو القول السائد مع تسفيه القول بالإطعام وهو الأصل غير المختلف فيه فهذا شطط ومن قالها ابعد النعجة.
ونقول بكل وضوح لا أنكار أن إخراجها مالاً عند الضرورة والمصلحة والمشقة تجوز وهي تقدر بقدرها ،وأضرب مثال علي ذلك من لم يخرج الزكاة لسبب من الأسباب وهو ذاهبا لصلاة العيد ماذا يفعل؟
هناك مشقة في البحث عن فقير وشراء الحبوب وهو سمع بالرخصة بجواز زكاة الفطر مالاً فدفعها لأول فقير قبل الصلاة لإبراء ذمته لحديث " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات "-حسنه الألباني في الإرواء برقم/ 843 فمثل ذلك الفعل لا يشك عاقل بضرورته.
لكن أن نجعل الأصل إخراجها مالاً في طول البلاد وعرضها وعليه الأكثرية وليس لهم ضرورة إلا الاستحسان فهذا مالا نفهمه ولا نرضاه من البعض وأبو حنيفة- رحمه الله- وغيره من السلف أجازها علي سبيل المصلحة ولم يقل أنها خير من الإطعام مع وجود الحاجة له.
ونتعجب لماذا هذا الصد والرد والدفاع المستميت علي إخراجها نقوداً لأنه أنفع للفقير وأفضل وأحسن لحاله ..الخ
فسنة نبينا لا مجال فيها للهوي بلا مبرر شرعي ونكرر أبو حنيفة-عليه سحائب الرحمة- أجازها ولم يفرضها علي الأمة فلا تشريع إلا للرسول كما لا يخفي فلماذا هذه الهوجة عن أن المال هو الأفضل للجميع بلا استثناء!
فمعلوم أن ترك النصوص الصريحة الواضحة إلي الجواز والاستحسان لبعض الأثار والأقوال للعلماء المعتبرين قد يصيب من قال به منهم وقد يخطأ ومن أصاب من أهل العلم المعتبرين له أجران ومن أخطا له أجر الاجتهاد
والسؤال أن كانت النصوص صريحة وواضحة وهو عمل النبي وأصحابه والسلف الصالح لماذا البحث عن الرخص والاستحسان ممن لا ناقة له في العلم ويظن أنه أبو حنيفة عصره ويريد جعل السنة غريبة ولا تناسب العصر وكأنما مشاكل العصر لم يعلم بها الله ولم يوحي بها لرسوله.
وكأنما هؤلاء يعرفون مصلحة الفقير أكثر من الله ورسوله وليت شعري من الرب ومن العبد؟
ونكرر نتفهم أن ذلك يجوز للضرورة والمصلحة في بعض الأحوال والظروف وحسب البيئة التي يعيش فيها المسلم كما أن اجتهاد العلماء الربانيين بالقول المخالف بجوازها نقوداً معتبر شرعاً والضرورة تقدر بقدرها
ولكن ما يحز في القلب ويدميه أن يصبح الأصل وأوسعه وأيسره انتشاراً وتحريض بين العباد عليه هو النقود وهو اجتهاد قد يصيب وقد يخطا، وصار الاستثناء هو الإطعام وهو الثابت في السنة بلا اختلاف بين أهل العلم قاطبة في أنه الأفضل والاحسن والسنة الثابتة وأن من اخراجها طعاماً قد برئت ذمته دون خلاف
فالحاصل أننا أمام هجوم علي الأصل بلا مبرر شرعي ممن يعلم ويستطيع الترجيح أما العامي الذي لا ناقة له ولا جمل فقط مجرد التقليد والسلام فلا مشكلة لأنه لا يعلم فأن قلد فهو عمل بمن أفتاه من علماء بلده ولا ذنب له أن لم تكن مقبولة من الله تعالي .
ولكن أن تكون من أهل العلم والدعاة إلي الله فهذا عيباً كبير خصوصا ممن يدافع باستماته لإخراجها نقودا ويشحن الهمم و يقدح في أهل العلم المعتبرين لقولهم أن السنة إخراجها طعاماً بدل أن يتعلم من دار الإفتاء عندنا علي الرغم من تحفظاتي لكثير من فتاويهم إلا أنهم قد أحسنوا ويشكرون علي ذلك بما قالوه في موقعهم ومما قالوه: "وإخراجُ زكاة الفطر طعامًا هو الأصل المنصوص عليه في السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب المتَّبَعة، إلا أن إخراجها بالقيمة أمرٌ جائزٌ ومُجْزِئ، وبه قال فقهاء الحنفية، وجماعة من التابعين، وطائفة من أهل العلم قديمًا وحديثًا.انتهي
وبادئ ذي بدء نقول: الأدلة فوق كل اعتبار وكما قالوا الأصل إخراج زكاة الفطر طعاماً وأبو حنيفة وعلمائنا الافذاذ مالك والشافعي وأحمد بن حنبل –عليهم سحائب الرحمة- هم تاج علي رؤوسنا جميعا وضل من قدح فيهم واذله الله فلا قيمة لمسلم لا يحترم علمائه ممن شهد لهم الداني والقاصي بعلوهم وعلمهم في كل عصر ومصر.
والقول بأنه نقود خالف فيها جمهور العلماء الأمام أبو حنيفة – رحمه الله- وبالقطع كل من قال بقوله ونستطيع أن نقول أن العلماء في ذلك علي ثلاث أقوال:
منهم من قال لا يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
ومنهم من قال: يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب الحنفية..
ومنهم من قال يجوز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة وهذا قول في مذهب الإمام أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولا شك عندنا أن أدلة إخراجها طعاماً هو الأرجح والأسلم والسنة المؤيدة بالأدلة الصحيحة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان
ولقد قرأت كلام طيب وفي الصميم لبعض الافاضل وجاء فيه:
اخراجها نقودا مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فانهم اخرجوها طعاما برغم توافر المال حينذاك وبرغم حاجتهم اليه وقد كان مجتمعهم اشد فقرا وحاجة من مجتمعنا اليوم فلو جاز اخراج المال لبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لهم ولمن بعدهم
وأضاف موضحا الأسباب :
-لان الله عز وجل شرع انواعا للزكاة ونص في كل نوع على اخراج اشياء من جنسه فنص في الزروع على زرع وفي المال منه وفي الانعام منها
وفي الكفارات على كسوة و اطعام وعتق رقبة وفي الفطر على طعام ولم يذكر معه غيره فدل هذا التغاير ان هذه النصوص مقصودة لله عز وجل كل في موضعه
-لان اخراج زكاة الفطر طعاما ينضبط بالصاع اما اخراها نقودا فلا ينضبط لان النبي صلى الله عليه وسلم عينها من اجناس مختلفة واقيامها(=اثمانها)غالبا مختلفة فدل ذلك على ان القيمة ليست معتبرة وان المعتبر هو المقدار ( اي صاع) والا فعلى قيمة(ثمن) اي شئ تحدد الزكاة؟!
هل تحدد على قيمة الزبيب مثلا
او القمح ...وواضح فرق القيمة بينهما مع ان الكيل واحد
وهذا ما يوقع القائلين بالقيمة في تخبط
-لان اخراجها طعاما يناسب كل زمان ومكان وحال فما قيمة النقود في حال الحروب والمجاعة او التضخم الاقتصادي او الاحتكار وارتفاع الاسعار والغلاء كما هو حاصل الآن ؟! ولاحول ولاقوة الا بالله...انتهي
وهذا ما اردت قوله هنا وأضيف أن الخير في الاتباع والشر في الابتداع
فاتباع النبي والحذر من الابتداع ومخالفة أمره أمر من الله تعالي كما لا يخفي والآيات في ذلك كثيرة منها (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36))-الاحزاب
والخلاصة أن الحكم ثابت وهو اخراج الزكاة صاعا من طعام حسب أحوال كل بلد .وقد ذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر.
قال الإمام أحمد:" أخاف ألا يجزئه، خلاف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_"، وقال الإمام ابن حزم _رحمه الله_ : " لا تجزئ قيمة أصلاً؛ لأن ذلك غير ما فرض رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ".
واختم إجابة هذه السؤال بكلام وتعليق منقول من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في هذا الموضوع اكمالا للفائدة قال: "ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم إن زكاة الفطر تجزئ من الدراهم لأنه ما دام بين أيدينا نص عن النبي – عليه الصلاة والسلام – فإنه لا قول لأحد بعده ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع، والله – عز وجل – لا يسألنا عن قول فلان أو فلان يوم القيامة وإنما يسألنا عن قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – لقوله تعالى: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ" [القصص:65]. فتصور نفسك واقفاً بين يدي الله يوم القيامة وقد فرض عليك على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن تؤدي زكاة الفطر من الطعام فهل يمكنك إذا سئلت يوم القيامة: ماذا أجبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فرض هذه الصدقة؟ فهل يمكنك أن تدافع عن نفسك وتقول والله هذا مذهب فلان وهذا قول فلان؟ الجواب: لا ولو أنك قلت ذلك لم ينفعك. فالصواب بلا شك أن زكاة الفطر لا تجزئ إلا من الطعام وأن أي طعام يكون قوتاً للبلد فإنه مجزئ)اهـ
ونكرر القول نحن لا ننكر أن إحراجها مالاً قال به بعض أهل العلم والسلف وليس أبو حنيفة فقط فقد قال به من التابعين سفيان الثوري ، والحسن البصري ، والخليفة عمر ابن عبد العزيز ورجحه ابن تيمية عند المصلحة –عليهم سحائب الرحمة- ولكن الجميع بلا خلاف علي سنية الإطعام في زكاة الفطر وأنه الأصل ومحل الخلاف بجوازها مالاً هو اجتهاد للمصلحة والضرورة وليس كل الناس كذلك ليعم الجميع بلا استثناء فالكل يريد إخراجها مالاً ليستريح من عناء إخراجها حبوبا في زعمه فمن المعلوم أن الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان وهذا حق فقد يكون الطعام هو المصلحة في بلد تعاني من المجاعة وقد يكون في المال في بلد يتوفر فيه الطعام ويندر فيه المال لشراء ماينفع الفقير أما في مصر فالأفضل طعاماً فغلاء الأسعار لم يجعل للمال قيمة وخذ علي سبيل المثال أن لجنة الإفتاء جعلت نصيب الفرد ثلاثة عشر جنيها حد أدني لزكاة الفطر(وهذا العام جعلوها 15 جنيهًا فقط!!)ولا أحد يبحث عن الأعلى بل الأدنى ولو كان عشر جنيهات إلا من رحم ربي
فماذا تنفع الثلاثة عشر أو حتي الخمسين جنيها فالطعام اصبح أهم من المال في مجتمعنا المصري وليس العكس فتأمل.
فالرجوع للسنة هو الأصل وصحيح الفتوي تتغير باختلاق الأحوال ولكن هناك خلط في هذه المسألة يقع فيها كثير من الناس وضابط فهم هذه العبارة كما ذكر علمائنا في أمرين :
أ. التغير في الفتوى ، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله .
ب. التغير سببه اختلاف الزمان ، والمكان ، والعادات ، من بلد لآخر .
ونكرر أن إخراجها مالاً دون مبرر شرعي وضرورة أمر مخالف للسنة الثابتة بعمل النبي والصحابه من بعده.
وتجوز لبعض الناس حسب الضرورة والمصلحة والمجتمع الذي يعيش فيه ولا يعدل عن الطعام لغير ذلك هذا والله أعلم واحكم