هذا توحيدنا يا أمة الإسلام(1)الجزء الأول
الحمد لله وكفي والصلاة والسلام علي من اصطفي وبعد..حقيقة التوحيد الذي هو الغاية من الخلق وضحها النبي-صلي الله عليه وسلم –جلية واضحة في هديه وهو خير الهدي وانشر هنا لكل من يبحث عن التوحيد الحق بشرح علمائنا الثقات من أهل السنة والجماعة هدي النبي في التوحيد علي ثلاث أجزاء متتالية لعدم التطويل ونشر هذا البحث كاملاً في شبكة الألوكة تحت عنوان "من هدي النبي -صلي الله عليه وسلم -في التوحيد" فمن أراد الاطلاع عليها يضغط علي الرابط اسفل المقالة والله المستعان.
التوحيد ثلاثة أنواع، استنبطَها العُلماءُ مِن القرآن الكريم والسنَّة الصَّحيحة، وهي: توحيد الربوبيَّة - توحيد الألوهيَّة - توحيد الأسماء والصفات.
قال ابن عثيمينٍ رحمه الله ما مختصَرُه وبتصرفٍ يسير: مَبنى الإسلام على توحيد الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الأنبياء: 108]، ولا بدَّ في التوحيد من الجمع بين النفي والإثبات؛ لأن النفيَ وحده تعطيل، والإثباتَ وحده لا يَمنع المشاركة، فلا توحيدَ إلا بنفيٍ وإثبات.
وقد قسَّمه العلماء - بالتتبُّع والاستقراء - إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: توحيد الربوبية.
القسم الثاني: توحيد الألوهية.
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات.
وقد جمَع الله هذه الأقسامَ في قوله تعالى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].
فأمَّا توحيد الربوبية:
فهو إفرادٌ لله تعالى بالخلقِ والْمُلكِ والتدبير.
ومن أدلته قولُه تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، وقوله: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 189]. وقوله: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ: 22، 23].
وهذا قد أقرَّ به المشركون الذين بُعِث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [الزخرف: 87]. ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [لقمان: 25]. وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ﴾ [يونس: 31]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ [المؤمنون: 84، 85] إلى قوله: ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المؤمنون: 90].
ولم يكن أحدٌ من هؤلاء المشركين ولا غيرهم ممن يقرُّ بالخالق يَعتقد أنَّ أحدًا من الخلق شارك الله تعالى في خلق السموات والأرض أو غيرهما، ولا أنَّ للعالَم صانِعَين مُتكافئين في الصِّفات والأفعال، ولم يَنقُل أربابُ المقالات الذين جمَعوا ما قيل في الْمِلَل والنِّحَل والآراء والديانات عن أحدٍ من الناس أنه قال بذلك.
ثم أضاف رحمه الله: وأما توحيد الألوهية فهو: إفرادُ الله تعالى بالعبادة؛ بأن يُعبَد وحدَه ولا يُعبَد غيرُه مِن ملَكٍ أو رسولٍ، أو نبيٍّ أو وليٍّ، أو شجرٍ أو حجر، أو شمسٍ أو قمر، أو غير ذلك كائنًا مَن كان.
ومن أدلته قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، وقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقوله: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]، وقوله: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].
وهذا النَّوع قد أنكَره المشركون الذين بُعِث فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾ [الصافات: 35، 36]، وقال تعالى: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ [ص: 4 - 6].
ومن أجلِ إنكارهم إيَّاه قاتلَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم واستَباح دِماءهم وأموالَهم، وسَبْيَ نسائهم وذرياتهم بإذنِ الله تعالى وأمره، ولم يكن إقرارُهم بتوحيد الربوبية مُخرِجًا لهم عن الشرك، ولا عاصمًا لدمائهم وأموالهم.
وقال رحمه الله بعد كلامٍ: وأما توحيد الأسماء والصفات فهو إفرادُ الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ وذلك بإثبات ما أثبتَه الله لنفسه من الأسماء والصفات في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ولا تكييفٍ ولا تمثيل...
فلا يجوز نفيُ شيءٍ مما سمَّى الله به نفسَه، أو وصَف به نفسَه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، ولأنَّ ذلك تعطيلٌ يَستلزِم تحريفَ النصوص أو تكذيبَها مع وصفِ الله تعالى بالنقائص والعيوب.
ولا يجوزُ تَسمية الله تعالى أو وصفِه بما لم يأتِ في الكتاب والسُّنة؛ لأنَّ ذلك قولٌ على الله تعالى بلا عِلم، وقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، وقال: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
ولا يجوز إثباتُ اسمٍ أو صفةٍ لله تعالى مع التمثيل؛ لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، وقولِه: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 74]، ولأن ذلك إشراكٌ بالله تعالى يَستلزِم تحريفَ النصوص أو تكذيبَها مع تنقُّص الله تعالى بتمثيلِه بالمخلوق الناقص. اهـ[1].
قلتُ: وفي هديِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بيانٌ وافٍ لطريقته وسنته في توحيد الله تعالى بأنواعه الثلاثة المذكورة آنفًا، كما يحبُّ ربُّنا ويَرضى، أمَر بها المسلمين وحثَّ على العناية بها؛ لما فيها من سبُل النجاة والفلاح في الدارين، ونبين بعضها فيما يلي:
• من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد أن النافع والضارَّ هو الله تعالى؛ فهو ربُّ كل شيءٍ ومَليكُه، ولا يُنافي التوحيد السَّعي المشروع، والأخذ بالأسباب[2]، وترْك النتائج لعلاَّم الغيوب.
• لحديث ابن عباس قال: كنتُ خلف رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: (يا غلام إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفظ الله يحفَظْك، احفظ الله تَجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأَلِ الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلَم أنَّ الأمة لو اجتمعَت على أن يَنفَعوك بشيءٍ لم ينفَعوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء، قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجفَّت الصحف)[3].
• من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد الإيمانُ بأن الله هو الخالق البارئ المصور لهذا الكون والخلق أجمعين، ومبدِعُه، ولا خالق غيره.
1 - لحديث[4] أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخَذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: (خلَق الله عز وجل التُّربة يوم السبت، وخلق فيها الجبالَ يوم الأحد، وخلق الشَّجَر يوم الاثنين، وخلق المكروهَ يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثَّ فيها الدوابَّ يوم الخميس، وخلق آدمَ عليه السلام بعدَ العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعةٍ من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل)[5].
2 - ولحديث أبي هريرة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يوشك الناس أن يَسألوا نبيَّهم، حتى يقول قائلُهم: هذا الله خالق الخلق[6]، فمَن خلَق الله؟ فإذا قالوا ذلك فقُل: الله أحد، الله الصَّمد، لم يَلِد ولم يولد، ولم يكن له كفُوًا أحد، ثم ليَتفُل عن يساره، وليستعِذْ بالله من الشيطان)[7].
• من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد الإيمانُ بأن الله هو الربُّ المعبود، ومَلِك الملوك، كلُّ شيء هالكٌ إلا وجهَه[8].
1 - لحديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَقبِض الله تبارك وتعالى الأرضَ يوم القيامة، ويَطْوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟!)[9].
2 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولنَّ أحدكم: عبدي وأمَتي، ولا يقولن المملوك: ربي وربَّتي[10]، وليقُل المالكُ: فتايَ وفتاتي، وليَقُل المملوك: سيِّدي وسيدتي؛ فإنكم المملوكون، والربُّ الله عز وجل)[11].
هوامش وتنبيهات هامة
--------------------
[1] انظر تقريب التَّدمُريَّة لمحمد بن صالح العثيمين (1/ 96).
[2] وقال ابن عثيمينٍ رحمه الله في فتوى له: فإن كثيرًا من الناس وإن كان معه أصل التوحيد لكن يكون هناك أشياء منقصة، وأضرب لك مثلاً شائعًا عند الناس يتهاوَنون به، وهو الاعتماد على الأسباب؛ فإن من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قدَّر للأشياء أسبابًا، فالمرض قدَّرَ الله للشِّفاء منه أسبابًا، والجهل قدَّر الله تعالى للتخلُّص منه أسبابًا، والأولاد قدر الله لهم أسبابًا... وهلُمَّ جرًّا! فبعض الناس يَعتمد على السبب فتَجِده إذا مرض يتعلق قلبه تعلُّقًا كُليًّا بالمستشفى وأطبائِه، ويَذهب وكأن الشفاء بأيديهم، وينسى أن الله سبحانه وتعالى جعل هؤلاء أسبابًا قد تنفع وقد لا تنفع، فإن نفَعَت فبفضل الله وتقديرِه، وإن لم تنفع فبِعَدل الله وتقديره، فلا ينبغي - بل لا يجوز - أن يَنسى الإنسانُ المتسبِّبَ ويتفكَّر في السَّبب، نعم، نحن لا ننكر أن السبب له تأثيرٌ في المسبَّب، لكن هذا التأثير إنما كان بإذن الله عز وجل؛ كما قال الله تبارك وتعالى في السَّحَرة: إنهم يتعلمون ما يفرِّقون به بين المرء وزوجه، قال: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 102]، فالمهمُّ أنَّ تحقيق التوحيد هو تعلُّق القلب بالله تبارك وتعالى خوفًا وطمعًا، وتخصيص العبادة له وحده. اهـ. (فتاوى نور على الدرب - موقع ابن عثيمين).
[3] انظر صحيح الترمذي للألباني برقم/ 2516، وصحيح الجامع برقم/ 7957.
[4] للأمانة العلمية نقول تنبيهًا للقارئ: إن هذا الحديث من الأحاديث التي انتُقِدت في صحيح مسلم، ومما تكلَّم فيه بعض أهل العلم؛ فقد طعَن فيه مَن هو أعلمُ مِن مسلم؛ مثل: يحيى بن مَعين والبخاري وغيرهما. وذكر البخاريُّ أن هذا من كلام كعب الأحبار.
وذكر ابنُ حجر في بلوغ المرام انقطاعَه، وقال ابن تيميَّة في المجلد الثامنَ عشر: هذا وهم، وهذا مخالفٌ للقرآن، وهو مِن كلام كعب الأحبار، وليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وسبب قولهم هذا أن الله عز وجل ذكَر أنَّه خلَقها في ستة أيام، فكيف تكون في سبعة؟!
وسبب ذِكْر الحديث هنا أنَّ مِن العلماء الاكابر مَن صحَّحه وجمع بين الآيةِ والحديث؛ مثل أبي بكر ابن الأنباري، وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهما، والعلامة الألباني رحمه الله دافعَ عن صحَّة الحديث في تعليقه على حديث (5734)، من مشكاة المصابيح بقولِه: "ولا مَطعَن في إسنادِه البتَّة، وليس هو بمخالفٍ للقرآن بوجهٍ من الوجوه؛ خلافًا لما توهَّمَه بعضُهم؛ فإن الحديث يُفَصِّل كيفية الخلق على الأرضِ وحدَها، وأن ذلك كان في سبعة أيام، ونصُّ القرآن على أن خلق السَّماوات والأرض كان في ستة أيام، والأرض في يومين - لا يُعارض ذلك؛ لاحتمال أنَّ هذه الأيام الستة غير الأيام السبعة المذكورة في الحديث، وأنه - أعني الحديثَ - تحَدَّث عن مرحلةٍ من مراحل تطور الخلق على وجهِ الأرض حتى صارت صالحةً للسُّكنى، ويؤيده أن القرآن يَذكر أن بعضَ الأيام عند الله تعالى كألف سنة، وبعضها مقدارُه خمسون ألف سنة، فما المانع أن تكون الأيام الستة من هذا القبيل؟! والأيام السبعة من أيامنا هذه؟! كما هو صَريح الحديث، وحينئذٍ فلا تَعارُض بينه وبين القرآن". اهـ.
[5] أخرجه مسلم برقم/ 4997 - باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام.
[6] قال العلامة ابن عثيمينٍ رحمه الله ما مختصره: أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35]؛ فإنَّ الإنسان لم يَخلق نفسَه؛ لأنه قبل وجوده عدَم، والعدم ليس بشيء، وما ليس بشيء لا يوجِد شيئًا، ولم يخلقه أبوه ولا أمُّه ولا أحدٌ من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجِد؛ لأن كلَّ حادث لا بد له من مُحْدِث؛ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام والتناسق المتآلف يمنع منعًا باتًّا أن يكون صدفة؛ إذِ الموجودُ صدفة ليس على نظام في أصل وجوده، فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟!
فتعيَّن بهذا أن يكون الخالقُ هو الله وحده، فلا خالق ولا آمر إلا الله؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، ولم يُعلَم أنَّ أحدًا من الخلق أنكَر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا على وجهِ المكابَرة كما حصَل مِن فرعون، وعندما سَمع جُبيرُ بن مُطعِمٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور، فبلَغ قولَه تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾ [الطور: 35 - 37]، وكان جبيرُ بن مطعِمٍ يومئذٍ مشركًا، فقال: "كاد قلبي أن يَطير، وذلك أوَّلَ ما وقَر الإيمانُ في قلبي"؛ اهـ. انظر مجموع الفتاوى (6/ 23).
[7] انظر: حديث رقم/ 8182 في صحيح الجامع.
[8] قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (13/ 163): فكل مَن جعل مخلوقًا مثلاً للخالق في شيء من الأشياء فأحبَّه مثلَما يحبُّ الخالقَ، أو وصَفَه بمثل ما يوصَف به الخالق - فهو مشركٌ، سوَّى بين الله وبين المخلوق في شيءٍ من الأشياء فعدَل بربه. والربُّ تعالى لا كفؤ له ولا سَميَّ له ولا مِثل له.
ومَن جعَله مِثلَ المعدوم والممتنِع فهو شرٌّ مِن هؤلاء؛ فإنه معطِّل ممثِّل، والمعطل شرٌّ من المشرك، والله ثَنى قصة فرعون في القرآن في غير موضع؛ لاحتياج الناسِ إلى الاعتبار بها؛ فإنه حصَل له مِن الملك ودَعْوى الربوبية والإلهية والعلوِّ ما لم يَحصُل مِثلُه لأحدٍ من المعطلين، وكانت عاقبتُه إلى ما ذَكَر الله تعالى.
وليس لله صفةٌ يُماثله فيها غيره؛ فلهذا لم يَجُز أن يُستعمَل في حقِّه قياسُ التمثيل ولا قياسُ الشمول الذي تَستوي أفراده؛ فإنَّ ذلك شِرك؛ إذ سُوِّي فيه بالمخلوق؛ بل قياس الأولى، فإنه سبحانه له المثل الأعلى في السموات والأرض، فهو أحقُّ مِن غيره بصفات الكمال، وأحقُّ من غيره بالتنزيه عن صفات النقص. اهـ.
[9] أخرجه مسلم برقم/ 4994.
[10] جاء في حاشية كتاب التوحيد لعبدالرحمن القحطاني الحنبلي النجدي (ص/ 346) ما مختصَرُه: والعبيد عبيدُ الله والإماءُ إماء الله، ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 93].
ففي إطلاق هاتين الكلمتين على غير الله تشريكٌ في اللفظ، فنَهاهم عن ذلك تعظيمًا لله وأدبًا معه، وبُعدًا عن الشرك، وتحقيقًا للتوحيد.
لأنها ليست دالَّة على الملك كدلالة عبدي وأمتي، وإن كان قد ملَكه امتِحانًا وابتلاءً من الله لخلقِه، كما قال: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾ [الفرقان: 20].
ثم قال: فأرشد - عليه الصلاة والسلام - إلى ما يؤدِّي المعنى مع السَّلامة من الإيهام والتعاظم، مع أنها تُطلَق على الحرِّ والمملوك، لكن إضافته تدلُّ على الإخلاص، ومن أحسن مقاصد الشريعة ما نَهى عنه من هذه التسمية؛ لِمَا فيها من رائحة الشِّرك، وإن كان لفظًا لم يقصد معناه، وما أرشد إليه مما يقوم مقام تلك الألفاظ، حمايةً لجَناب التوحيد، فلا خيرَ إلا دل الأمة عليه خصوصًا في تحقيق التوحيد، ولا شرَّ إلا حذَّرها عنه خصوصًا ما يقرب من الشرك، فصلَوات الله وسلامه عليه، قال المصنِّف: (وفيه التنبيه للمراد، وهو تحقيق التوحيد حتى في الألفاظ). اهـ.
[11] انظر صحيح سنن أبي داود برقم/ 4975، وصحيح الجامع الصغير برقم/ 7766 للألباني رحمه الله.