[center]
هذا توحيدنا يا أمة الإسلام(2)الجزء الثانيالحمد لله وكفي والصلاة والسلام علي من اصطفي وبعد..حقيقة التوحيد الذي هو الغاية من الخلق وضحها النبي-صلي الله عليه وسلم –جلية واضحة في هديه وهو خير الهدي وانشر هنا الجزء الثاني لكل من يبحث عن التوحيد الحق بشرح علمائنا الثقات من أهل السنة والجماعة.
• من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد الإيمان بأن الله تعالى قادرٌ على إحياء الموتى وبَعثِ مَن في القبور وحسابهم:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان رجلٌ يُسرِف على نفسه، فلمَّا حضَره الموتُ قال لبنيه: إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذرُّوني في الريح؛ فوَالله لئِنْ قدَرَ على ربِّي ليُعذبنِّي عذابًا ما عذَّبه أحدًا! فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرضَ فقال: اجمَعي ما فيك منه، ففعَلَت، فإذا هو قائم، فقال: ما حمَلَك على ما صنَعتَ؟ قال: يا رب خَشيتُك! فغفر له[12]) وقال غيره: (مخافَتُك يا رب)[13].
• من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد العلم والإيمان بأن سرَّ الروح[14] لا يعلمُه إلا الله جل وعلا:
• لحديث عبدالله رضي الله عنه قال: "بينا أنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حرثٍ وهو متَّكئٌ على عَسيب إذ مرَّ اليهود فقال بعضُهم لبعض: سَلوه عن الرُّوح، فقال: ما رأيكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستَقْبِلكم بشيءٍ تكرهونه، فقالوا: سَلوه! فسأَلوه عن الرُّوح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يردَّ عليهم شيئًا، فعَلمتُ أنه يُوحى إليه، فقمتُ مَقامي، فلمَّا نزل الوحي قال: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85][15].
من هَدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد أن النطق بالشهادتين يتميَّز به المسلم عن الكافر[16]، وهُما ركنٌ من أركان الإسلام.
• لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجِّ، وصوم رمضان"[17].
• من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد أنَّ مَن قال الشهادة مؤمنًا بها مِن قلبه يَنال صاحبُها شفاعتَه[18] صلى الله عليه وسلم يوم القيامة:
• لحديث أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله، مَن أسعدُ الناس بشَفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألَني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوَّل منك؛ لِمَا رأيتُ مِن حرصِك على الحديث! أسعدُ النَّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا مِن قلبِه) أو (نفسِه)[19].
• مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد أنَّ مَن صَدَق في قول الشهادتين يُحرِّم الله تعالى على النار أن تحرقه:
• لحديث أنسِ بن مالك "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومعاذٌ رَديفُه على الرَّحْل قال: (يا مُعاذ بن جبل)، قال: لبَّيك يا رسولَ الله وسعدَيك! قال: (يا معاذ) قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! ثلاثًا، قال: (ما مِن أحدٍ يشهَد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله صدقًا مِن قلبه إلا حرَّمه الله على النار) قال: يا رسول الله أفلا أُخبر به الناس فيَستبشروا؟ قال: (إذًا يتَّكِلوا) وأخبَر بها معاذٌ عندَ موتِه تأثُّمًا"[20].
هوامش وتنبيهات هامة
------------------
[12] وقال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرحه للحديث: "قال الخطابي: قد يستشكل هذا فيقال: كيف يَغفر له وهو منكِرٌ للبعث والقدرةِ على إحياء الموتى؟ والجواب أنه لم ينكر البعث، وإنما جَهِل فظنَّ أنه إذا فُعِل به ذلك لا يُعاد فلا يُعذَّب، وقد ظهر إيمانُه باعترافه بأنه إنما فعَل ذلك من خشية الله؛ قال ابن قتيبة: قد يَغلط في بعض الصفات قومٌ من المسلمين فلا يَكفُرون بذلك؛ وردَّه ابن الجوزي وقال: جَحدُه صفة القدرة كفرٌ اتِّفاقًا، وإنما قيل: إن معنى قوله: "لئن قدَرَ الله عليَّ" أي: ضيَّق وهي كقوله: ﴿ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ [الطلاق: 7]؛ أي: ضُيِّق، وأما قوله: "لَعلِّي أَضِلُّ الله" فمعناه: لَعلِّي أفوته؛ يُقال: ضلَّ الشيءُ إذا فات وذهَب، وهو كقوله: ﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، ولعلَّ هذا الرجل قال ذلك مِن شدَّة جزَعِه وخوفه؛ كما غلَط ذلك الآخَرُ فقال: "أنت عبدي وأنا ربك"، ويكون قوله: "لئن قدَّر عليَّ" بتشديد الدال؛ أي: قدَّر عليَّ أن يُعذِّبني ليُعذِّبني، أو على أنه كان مُثبِتًا للصانع وكان في زمَن الفترة فلم تَبلُغْه شرائط الإيمان.
وأظهَرُ الأقوال أنه قال ذلك في حالِ دهشته وغلَبةِ الخوف عليه، حتى ذهَب بعقله لما يقول، ولم يَقُله قاصدًا لحقيقة معناه، بل في حالةٍ كان فيها كالغافل والذَّاهل والناسي الذي لا يُؤاخَذ بما يَصدُر منه، وأبعدُ الأقوال قولُ مَن قال: إنه كان في شَرعِهم جوازُ المغفرة للكافر! اهـ.
[13] أخرجه البخاري برقم/ 3222 - باب حديث الغار.
[14] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في التلخيص المعين على شرح الأربعين (ص/ 45): إن الروح في الجسد تنفخ نفخًا ولكن لا نَعلم الكيفية، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴾ [التحريم: 12].
لكن لا نَدري كيف هذا؟ لأن هذا من أمور الغيب.
إن الروح جسم؛ لأنه ينفخ فيَحلُّ في البدن، ولكن هل هذا الجسم من جنس أجسامنا الكثيفة المكوَّنة من عظام ولحمٍ وعصب وجلود؟
الجواب: لا عِلْم للبشر بها، بل نقول كما قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85]، وهي جسمٌ لكن مخالفٌ للأجسام الكثيفة التي هي أجسادُنا، والله أعلمُ بكيفيَّتِها. والروح عجيبة، لها حالٌ في المنام فتَخْرج من البدن، لكن ليس خروجًا تامًّا، فتَجِد نفسَك تَجوبُ الفيافيَ، ربَّما وصَلتَ إلى الصين أو إلى أقصى المغرب، وربَّما طِرْت بالطائرة، وربما ركبت السيارة، وأنت في مكانك واللحاف قد غطَّى جسمك، ومع ذلك تتجوَّل في الأرض، لكنها لا تُفارق الجسم في حال النوم مفارقةً تامة، فالروح أمرها غريب، ولَسْنا نعلم منها إلا ما جاء في الكتاب والسنة، وما لا نعلمه نَكِلُ عِلمَه لله سبحانه وتعالى.
فإذا كنت لا تدري عن نفسك التي بين جنبَيك فكيف تحاول أن تعرف كيفية صفات الله عزَّ وجل الذي هو أعظم وأجلُّ مِن أن تحيط به؟! اهـ.
[15] أخرجاه في الصحيحين؛ البخاريُّ برقم/ 4352 باب ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ﴾ [الإسراء: 85]، ومسلمٌ برقم/ 5002 - باب سؤال اليهود النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الروح: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ﴾ [الإسراء: 85].
[16] قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله في شرح الأصول الثلاثة (3/ 2) ما مختصره:
فأوَّل أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وبها يدخل العبد في الإسلام؛ فيشهد أن لا إله إلا الله: أي لا معبود حق إلا الله. وهي نفيٌ وإثبات؛ فلا إله: نفي، وإلا الله: إثبات. قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وقال: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5] الآية.
ثم قال: أما قولها بدون العمل بها، فلا تَنفع؛ كأن يقول: لا إله إلا الله، ولا يخصُّ الله بالعبادة؛ فإن شهادته لا تنفع؛ كالمنافقين؛ فإنهم يقولونها ولا يعتقدونها، فهم في الدَّرْك الأسفل من النار. فالذي يقول: لا إله إلا الله، ويعبد القبور والأصنام؛ لا تنفعه بل هي باطلة.
وأما الشهادة الثانية وهي: أن محمدًا رسول الله؛ فدليلها قوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، وبعد هذه الشهادة على العبد أن يُطيعَه فيما أمر، وأن يصدقه فيما أخبر، وأن يجتنب ما عنه نَهى وزجَر، وألا يعبد الله إلا بما شرع.
فلا بد من هذه الأمور الأربعة:
الأول: طاعته فيما أمَر؛ من الصلاة والزكاة وغيرها.
الثاني: تصديقُه فيما أخبر؛ عن الآخرة والجنة والنار وغير ذلك.
الثالث: واجتناب ما عنه نهى وزجر؛ كالزِّنى والرِّبَى وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.
الرابع: وأن لا يعبد الله إلا بما شرع؛ فلا يَبتدع في الدين مما لم يشرعه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمِل عمَلاً ليسَ عليهِ أمْرُنا فهو رَدٌّ). وفي رواية: (مَنْ أحْدَث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ)؛ أي: مردود. اهـ.
[17] أخرجاه في الصحيحين؛ البخاري برقم/ 7 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، ومسلم برقم/ 22 - باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.
[18] قال ابن تيميَّة رحمه الله: وأما الشفاعة يوم القيامة، فمذهب أهل السنة والجماعة - وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم - أن له شفاعاتٍ يوم القيامة خاصةً وعامَّة، وأنه يشفع فيمن يأذن الله له أن يشفع فيه من أمته من أهل الكبائر. ولا ينتفع بشفاعته إلا أهلُ التوحيدِ المؤمنون دون أهل الشرك، ولو كان المشرك محبًّا له معظِّمًا له لم تنقذه شفاعتُه من النار، وإنما يُنجيه من النار التوحيدُ والإيمان به؛ ولهذا لما كان أبو طالب وغيره يحبُّونه ولم يُقرُّوا بالتوحيد الذي جاء به لم يُمكِن أن يَخرجوا من النار بشفاعته ولا بغيرها؛ اهـ. انظر: كتاب قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة (2/ 16).
[19] أخرجه البخاري برقم/ 97 - باب الحرص على الحديث.
[20] أخرجه البخاري برقم/ 125 - باب من خص بالعلم قومًا دون قوم؛ كراهية أن لا يَفهموا.