(5)أن ذكر الله صلاح للنفس والقلب معا
قال - تعالى -: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي ﴾ -البقرة: 152، وقال - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ -الأعراف: 205
وقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلم -: ((مثَلُ الذي يَذْكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه، مثَلُ الحيِّ والميِّت"- أخرجه البخاري في الدَّعوات ح/ 6407.
.
واعلموا أحبتي في الله..
أنَّ الذَّاكر لله تعالى قريبٌ من ربِّه، وفي جَناب رَحْمته وكرَمِه، تَستغفر له ملائكتُه، وينبغي أن يَلْتَزم بآداب الذِّكر وشروطِه؛ ليكون مقبولاً عند الله تعالى، وتَسْمُو نفْسُه بِقُربِها من الله تعالى.
قال النوويُّ في كتابه "الأذكار" (1/ ص 10) ما مُختصَره:
"الذِّكر يكون بالقلب، ويكون باللِّسان، والأفضل منه ما كان بالقَلْب واللِّسان جميعًا، فإنِ اقتصر على أحدِهِما فالقلب أفضل، ثُمَّ لا ينبغي أن يَتْرك الذِّكر باللِّسان مع القلب؛ خوفًا من أن يُظَنَّ به الرِّياء، بل يَذْكر بهما جميعًا، ويقصد به وَجْه الله تعالى".
ثم قال - رحمه الله تعالى -:
"اعلم أنَّ فضيلة الذِّكر غير مُنْحَصِرة في التَّسبيح والتهليل، والتحميد والتَّكبير ونَحْوِها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعة فهو ذاكِرٌ لله تعالى، كذا قاله سعيد بن جُبَير - رضي الله عنه - وغيره من العلماء.
وقال عطاء - رحمه الله -: مَجالس الذِّكر هي مَجالس الحلال والحرام؛ كيف تَشْتري وتبيع؟ وتصلي وتصوم؟ وتنكح وتطلِّق؟ وتحجُّ؟ وأشباه هذا"؛ اهـ.
والنفس تطمئنُّ إلى ما يطمئِنُّ إليه القلب، والقلب يطمئن بذِكْر الله؛ كما قال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ -الرعد: 28.
وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - في "الوابل الصَّيِّب من الكَلِم الطيِّب"، (1/ ص56) عن فوائد الذِّكر ما مُختصَرُه:
"ولا ريب أنَّ القلب يَصْدأ كما يصدأ النُّحاس والفِضَّة وغيرهما، وجِلاؤه بالذِّكر، فإنه يَجْلوه حتى يَدَعَه كالمِرْآة البيضاء، فإذا ترك صَدِئ، فإذا ذكَر جلاه.
وصدَأُ القلب بأَمْرين؛ بالغفلة، والذَّنب، وجِلاؤه بشيئين؛ بالاستغفار، والذِّكر.
ثم ذكر - رَحِمَه الله تعالى - عشرات من فوائد ذِكْر الله تعالى، والتي فيها صلاحُ القلوب والنُّفوس، نَذْكر بعضها هنا، والله المستعان:
1- أنَّه يَطْرد الشَّيطان ويقمعه ويكسره.
2- أنه يُرْضي الرحمن - عزَّ وجلَّ.
3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
4- أنه يَجْلب الرِّزق.
5- أنه يكسو الذَّاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
6- أنه يورثه المَحبَّة التي هي رُوح الإسلام وقُطْب رحَى الدِّين، ومدار السعادة والنَّجاة، وقد جعل الله لكلِّ شيء سببًا، وجعل سبب المَحبَّة دوام الذِّكر، فمن أراد أن يَنال مَحبَّة الله - عزَّ وجلَّ - فلْيَلْهَج بذِكْره؛ فإنه الدَّرس والمذاكرة كما أنه باب العلم، فالذِّكْر باب المَحبَّة وشارعها الأعظم وصِرَاطها الأقوم.
7- أنَّه يورثه المراقبة حتى يُدْخِله في باب الإحسان، فيَعْبد الله كأنَّه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذِّكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.
8- أنه يورثه الإِنَابة، وهي الرُّجوع إلى الله - عزَّ وجلَّ - فمتَى أكثر الرُّجوع إليه بِذِكْره أورَثَه ذلك رجوعَه بقلبه إليه في كلِّ أحواله، فيَبْقى الله - عزَّ وجلَّ - مَفْزَعَه وملجَأَه، ومَلاذَه ومَعاذَه، وقِبْلةَ قلْبِه، ومَهْرَبه عند النوازل والبلايا.
9- أنَّه يورثه الهيبة لربِّه - عزَّ وجلَّ - وإجلالَه؛ لشدَّة استيلائه على قلبه، وحضوره مع الله تعالى، بخلاف الغافل، فإنَّ حجاب الهيبة رقيقٌ في قلبه.
10- أنَّه يورثه ذِكْرَ الله تعالى له؛ كما قال - تعالى -: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، ولو لم يكن في الذِّكر إلاَّ هذه وحدها لكَفى بها فضلاً وشرفًا، وقال - صلَّى الله عليه وسلم - فيما يَرْوِي عن رَبِّه - تبارك وتعالى -: ((مَن ذكَرَني في نفْسِه ذكرتُه في نفسي، ومن ذكَرني في مَلأٍ ذكَرْتُه في ملأٍ خير منهم)).انتهي
ومِن ثَمَّ، لا مندوحة من كَثْرة الذِّكر؛ لِمَا له من الفوائد العظيمة في صَلاح النَّفس والقلب معًا.
وكتبه/ سيد مبارك