حلقات الحل الإسلامي لعلاج الغلو والتطرف
الحلقة الخامسة-الجزء التاسع
وصايا لعلاج الغلو وانحراف الفكر الإعلاميإنَّ الحمد لله نحمده، ونَسْتعينه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد:
نبين هنا اطروحاتنا في الوصايا التي ينبغي العمل بها لإصلاح الغلو والتطرف الإعلامي ونبدأ ونقول بحول الله وقوته.
الأعلام بكل صوره من تلفاز وقنوات فضائية وانترنت وصحافة وإذاعة وهواتف ذكية وغير ذلك من الوسائل المعلوماتية في المجتمعات المعاصرة علي اختلاف أيديولوجيتها وتوجهاتها من اخطر السبل تأثيراً علي الأفراد والجماعات وله آثاره الكبيرة وتأثيراته البالغة على سلوك الناس وعاداتهم ومعلوماتهم الدينية والدنيوية سلباً وايجاباً ونفعاً وضراً، ولو نظرنا نظرة فاحصة للإعلام الإلكتروني بصفة عامة واخطر ما فيه اليوم شبكات التواصل الاجتماعي نجد كل المؤشرات تدل على خطورته علي البلاد والعباد وهو وسيلة إعلامية ذات تثير خطير تجاوز الحدود الجغرافية وربط بين أجزاء العالم وقرب بين المسافات الزمانية والمكانية، وأصبح دوره متعاظماً في حياة الأفراد والأسر والمجتمعات وهو من أعظم أسباب الغلو والانحراف الفكري علي الأفراد والجماعات والحاصل أن الإعلام بكل صوره سلاح فتاك أن أساء استخدامه فليس هناك من يمنعه من الانتشار كالنار في الهشيم.
فقد أصبح الإنترنت بفعل تكنولوجيا الإعلام الحديثة يوفر خدمات ومزايا يمكن من خلالها الاستغناء عن وسائل الإعلام التقليدية نسبيًّا، وصارت مواقع التواصل الاجتماعي بصفة خاصة يعتمد عليها في مخاطبة الشباب وتزويده بالمعلومات المختلفة عبر المواقع الرسمية لمؤسسات الدولة والتواصل مع الجمهور العام، بل وصارت هناك صفحات خاصة على الفيس بوك لرؤساء الدول وللمشاهير وللشكاوى والمقترحات، والمؤسسات المحتلفة ، والتي تزايدت في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير.
والذي ينبغي التنبيه إليه هنا ان الغالب علي الإعلام بكل صوره واشكاله نشر الفساد والفتن-إلا من رحم ربي-من أفلام ومسلسلات ومقالات وكتب ومجلات وما أشبه تثير البلبلة بين العامة والخاصة ويختلط فيها الغث بالسمين والسم بالعسل فيكون أرضية خصبة للغلو والانحراف بكل أنواعه وأشكاله .
ونقترح لعلاج هذا الانفلات والانحراف بعضاَ من الوصايا منها علي سبيل المثال:
1-وضع ضوابط وآليات للالتزام بالشرف الإعلامي لمنع كل ما يسيء للدين خصوصا ما ينشر من فسق وفجور تحت عنوان الفن ويدخل إلي كل بيت فيفسد أكثر مما يصلح ونقترح منعاً لعدم الالتزام من شرار الخلق رادع وغطاء قانوني ملزم للجميع.
يقول المفكر الفرنسي "روجية جارودي ": والفن من أجل الفن بلا أي رسالة إنسانية أو إلهية حيث الهدف هو التسويق والموضة، والتقنية من التقنية بمعنى الوسائل الممكنة في خدمة أشياء بلا هدف ولا غاية والأيديولوجية أصبحت عقيدة ملة أدت إلى حروب صليبية جديدة ومحاكم تفتيش جديدة.اهـ( 1)
قلت: لهذا كله تحتاج وسائل الأعلام المنحرفة عن المنهج لإعادة التقويم والتهذيب فقد صارت أدواته من وسائل الفتنة وتدميراً للعقول ونشر للفواحش والرذيلة، ولا يغيب علي اللبيب أن هذه القنوات تتعاون فيما بينها علي المنكر والبغي والفساد في الأرض والله تعالي يقول:{ ابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ في الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) }(2 )
ونحن لا ندري علي أي مسوغ شرعي يستحل به الناس ومجتمعاتهم هذا الفساد؟
هل الأفلام والمسلسلات ضرورة اجتماعية من ضروريات الدين التي لا غني عنها؟
هل اباح الله ورسوله-صلي الله عليه وسلم-؟ التقبيل واللمس والعنف والجنس بين الرجال والنساء الأجانب الذي لا يربطهم إلا رباط الفن. يقولون الفن واقعية كيف يكون واقعياً وعلي هذه الصور الفجة التي نراها ولا يغار أولي الحلم والألباب!
أن لم يكن هذا قمة الغلو الفاحش والانحراف البغيض علي شريعة رب العالمين فماذا يكون؟
الأمر جد خطير وأخشي أن ينطبق علي كل من يتعاون في هذه الطامة التي احدثتها المجتمعات الغربية والمادية وجعلت منه فناً راقياً واتبعهم المسلمين حذو النعل بالنعل-أقول أخشي أن ينطبق عليهم قوله تعالي:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }(3 )
قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره وبتصرف: وهذا تأديب لمن سمع شيئا من الكلام السيئ، فقام بذهنه منه شيء وتكلم به، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه، فقد -قال تعالي: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا } أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنْيَا } أي: بالحد، وفي الآخرة بالعذاب، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } أي: فردوا الأمور إليه تَرْشُدُوا.اهـ (4)
وما نقوله عن فن التمثيل نقوله عن فن الموسيقي والغناء ونؤكد أن الشريعة بواسطيتها واعتدالها لم تحرم الفن والغناء الهادف الذي يحث علي حفظ العرض والدفاع عن الدين والوطن بضوابط شرعية لا مجال لذكرها فليس هذه اطروحتنا هنا ولكننا نري في الفن الغناء والموسيقي والفن التمثيلي في عصرنا هذا يكثر فيه الفحش في القول والملبس والحركات المثيرة فضلا عن الاختلاط بين الجنسيين الذي يذهب بالحياء والعفة وما هو أكثر من ذلك وقد حذر نبينا من هذا الفحش فيما رواه أبو مالك الأشعري رضى الله عنه قال: قال النبي –صلي الله عليه وسلم- " ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينـزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة " ـ(5 )
وهذا الحديث يخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في هذه الأمة أقوام يستحلون الفروج، والحرير والزنا، ويستحلون المعازف وكل هذا واكثر مشاهد في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة.
وبسبب هذا الجهل بالدين وغلبة الهوي وضعف الإيمان لن تتقدم الأمة ولا تتطهر مجتمعاتها ويستقيم حال شعوبها طالما لا رادع من دين في الوجدان يردع صاحبه عن المنكرات والمحرمات وكذلك لا رادع من قانون وضعي قاصر علي فهم الطبيعة البشرية يري في كثير من المنكرات المحرمات رقي وسمو .
2-منع التشكيك في الثوابت والخوض في العقيدة والتكلم فيها أو الكتابة عنها بلا علم أو فقه ونشره علي العامة والخاصة.
وأننا نري كثيراً من البرامج التلفازية والمقالات والكتب علي الشابكة –الانترنت-وعلي صفحات الجرائد والمجلات وغير ذلك من أدوات الحداثة الإعلامية التي لا تقيم للشريعة الربانية وزناً تنشر سمومها للتشكيك في الثوابت كنفي وجود عذاب القبر والهجوم علي إباحة التعدد للرجل في القرآن دون المرأة بحجة الحرية الشخصية التي لا يحدها حد ونحو ذلك والتحريض علي التمرد علي الدين بحجة أن العصر قد تغير والدين لا يصلح لعصرنا هذا كما كان في السابق إلي غير ذلك من الأقوال الكفرية التي يتبناها أهل الحداثة والعفن الفكري من خطباء الفتنة ورموز العلمانية وكل مذهب الحادي يري الدين دعوة للتخلف والرجعية.
-يقول د.سعيد بن ناصر الغامدي ما مختصره: النظام اللاديني المسمى ب ( العلمانية ) والذي يظهر في أردية شتى، منها الرداء الثقافي والأدبي المسمى ب ( الحداثة ) التي اولع بها بعض أبناء البلاد الإسلامية فراحوا يبثون من خلالها السموم الفكرية، ويرسخون المفاهيم الضلالية فاتحين أمام شباب الأمة أبواب التمرد – باسم الثقافة والأدب – ونوافذ التحدي للدين والسلوك القويم.
كل همهم ترويج أصناف الزيف تحت شعار الحرية الفكرية وعالمية الفكر الإنساني والموضوعية العلمية، وهم ابعد الناس عن الحرية، لأنهم مجرد اتباع مقلدين، وأبعد الناس عن الموضوعية، لأنهم أصحاب أهواء تجارت بهم تجاري الكلب بصاحبه.اهـ( 6)
قلت: فينبغي من ولي الأمر ممن يملك السيطرة علي هذا الانفلات الإعلامي من منعه بكل الوسائل فإن كان الأمر كما هو ظاهر من فساد بعض أولياء الأمور وتفريطهم في الدين فينبغي تنشيط الإعلام الإسلامي المضاد والبديل الذي لا يقدر عن منعه ولي امر مجتمع من مجتمعاتنا المعاصرة للرد علي الشبهات وكشف الغمة وفضح الأكاذيب وبيان عظمة الشريعة الربانية وهم بفضل الله في عصرنا هذا كثيرون وعسي أن يكونوا من أهل هذه الآية { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }( 7)
ومن أهل هذا الحديث" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"(8 ). والله المستعان وعليه التكلان.
3-تجريم وتحريم السخرية من رسل الله تعالي–عليهم السلام-ورسولنا –صلي الله عليه وسلم-وصحابته الكرام.
لابد أن تكون هناك خطوط حمراء كما يقولون لا ينبغي أن يتعداها الإعلام كمادة إعلامية للهمز واللمز من مرضي القلوب ممن يدعي الإسلام وهو ابعد الناس عنه فأن العين لا تخطأ النظر عندما تقرأ خبر نشرته صحيفة ضحلة ( 9) في عام 1427 ه -2006م ونشرت ملحقاً من أربع صفحات مع أحد أعدادها يحمل عنوان " أسوأ عشرة شخصيات في الإسلام ".. تضمن هذا الملحق سباً وإساءة في حق زوجة رسول الله وصحابة رسول الله وطعنا فيهم بشكل متجاوز وغير لائق وتذكر منهم أم المؤمنين عائشة الطاهرة في أول القائمة والبقية من الصحابة الأطهار كعثمان ابن عفان وطلحة والزبير ابن العوام وهم من المبشرين بالجنة وغيرهم.
رضي الله عنهم أجمعين-وهذا لا ريب يذهب بالهيبة والاحترام لهؤلاء الأطهار والنيل من معلمهم وقائدهم رسول الله-صلي الله عليه وسلم-وهذا هو مرادهم من السخرية من الصحابة وأزواج النبي الأطهار.
هذا وقد تم حذف العدد والملحق من الموقع الرسمي للجريدة ولتوثيق الخبر وتأكيده علي هذه الراوابط
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2006/10/05/58413.html- جريدة دنيا الوطن الفلسطينية – 2016/2/4
وانظر للأهمية العربية نت علي الرابط التالي /
http://www.alarabiya.net/articles/2006/10/05/28032.htmlو يقول العلامة ابن العثيمين-رحمه الله-: سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الصارم المسلول " ونقل عن أحمد في "ص/ 573" قوله: "لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك أدب، فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع".اهـ(10 )
قلت: ومن خلال تجربني الشخصية حدث يوماً في أثناء حديثتي مع رجل عامي يكثر من سماع و مشاهدة هؤلاء الكذابين الذين يتعرضون ويهينون نبينا-صلي الله عليه وسلم- علي وسائل إعلامهم الخبيثة ناهيك عن التشكيك في سيرته والشريعة التي جاء بها من رب العالمين استوقفني الرجل العامي ليسألني عن النبي-صلي الله عليه وسلم- وصفاته، ظننت أنه يريد أن يقتدي به فذكرت له خصائصه الخلقية والخلُقية وحياته مع أزواجه الطاهرات فوجدت اهتمامه تركز في هذه النقطة بالذات فقال: كل هؤلاء النسوة تحت عصمته، فذكرت له أن ذلك من خصائصه التي خصها الله به وجعل لرجال أمته مثني وثلاث ورباع كما قال تعالي{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا }( 11)
فقال لي مقاطعاً بسخرية وباللغة الدارجة المصرية "ده النبي كان راجل مزواج قوي" وهكذا انتهي الحديث وتأسفت لحال هؤلاء العامة الذي يذهب بعقيدتهم وإيمانهم واحترامهم لدينهم ولرسولهم-صلي الله عليه وسلم-لهذا الحد.
علي أننا ندرك أن الناس أعداء ما جَهلوا لأن في السنة أحاديث كثيرة عن حرمة سب الصحابة وأقوال العلماء في هذه المسألة يعرفها القاصي والداني ولكنه الجهل ليس إلا، وأن الخطأ يكمن في ترك خطباء الفتنة في بث سمومهم وغلوهم المذموم لسطوتهم علي أجهزة الإعلام دون رادع من دين أو قانون.
4-تأهيل كوادر إعلامية ووجوه جديدة ملتزمة ومثقفة دينياً لدفع الرسالة الإعلامية للاتجاه الصحيح بعيداً عن الغلو والتنطع والانحراف عن الشريعة.
وينبغي منع إعلاميين الشهرة والضلال والجهل من استضافة أهل الشبهات من العلمانيين والإلحاديين وخطباء الفتنة ممن لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه علي شاشات التلفاز أو السماح لهم بالكتابة في أي وسيلة إعلامية لتحجيم دورهم لينبذهم المجتمع، وبث البرامج النافعة الجادة والهادفة أو نشر العلم النافع دين ودنيا الذي يزيد من التنافس الشريف بين الإعلاميين ويناقش مشاكل المجتمع بعمق ورؤية ويضع الحلول من أهل الاختصاص وأولي الالباب والعقول لسد الثغرات ونشر السلام والأمن بين أفراده.
ولهم في قوله تعاليما يشفي ويكفي: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ * لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الحسني وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا في الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }(12 )
5- ومن الوصايا التي نقترحها لضبط المنظومة الإعلامية والسيطرة علي حالة الانفلات والانحراف غير السوي علي الحاكم وولي الأمر اصدار مركز أعلامي يشرف عليه لجنة من أهل الاختصاص الإعلامي والشرعي.
وليس هذا بجديد ولكن ما ننبه عليه هو عدم الضعف والشدة في موجهة أنصار حرية التعبير والنشر والأبداع وغير ذلك من الحجج فالدين وشريعة رب العالمين لا مجال فيها لحرية ولا أبداع بل السمع والطاعة والحق أحق أن يتبع، ولا يحل لأي وسيلة إعلامية تحت سيطرة الدولة من الظهور ونشر مادتها إلا بالحصول علي تصريح بالممارسة من هذا المركز الإعلامي وتتعهد فيه بميثاق الشرف الإعلامي واحترام الدين ورموزه والحياة الخاصة للمواطنين، ويكون التصريح متجدداً دوماً للمتابعة والمنع كعقاب رادع لمن يثبت انحرافه وغلوه حتي يجدد أوضاعه ويكيف مادته الإعلامية لنصرة الحق والدين أو غير ذلك من أساليب قانونية وشرعية تلزم الجميع باحترام الناس وتقديس دينهم وعدم القدح فيه.
وكفي بقول النبي-صلي الله عليه وسلوم-كعبرة وموعظة"من دعا إلي هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلي ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (13)
يقول العلامة ابن العثيمين-رحمه الله-ما مختصره: لهذا نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كنـز الهدى هدى العلم والدلالة دون التوفيق والعمل فإنه لا يستطيع أن يهدي أحدًا هداية توفيق وعمل، وإذا كان هذا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ففي حق غير الرسول من باب أولى، يعني نحن لا نملك هداية الناس هداية توفيق إنما علينا أن نهديهم هداية دلالة وإرشاد، ونسأل لله عز وجل أن يعيننا على ذلك، نحن وظيفتنا أن ندل ونرشد ونبين وندعو ونأمر وننهى ونغير، وكل هذا بقدر الاستطاعة، فهنا بيان ودعوة وأمر وتغيير، كثير من الناس يظنون أن معناها واحد، وليس كذلك، البيان أن تبين بياناً عاماً للناس، والدعوة أن تقول: ( افعلوا يا أيها الناس )، فتدعوهم كالذي يدعو الغنم للشرب، تأمرهم تقول: ( يا فلان افعل كذا )، فالأمر أخص من مجرد الدعوة.اهـ( 14)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
-----------------------------
(1 ) - الإسلام والقرن الواحد والعشرين –شروط نهضة المسلمين (ص:44 )-روجيه جارودي-ترجمة كمال جاد الله-نشر الدار العالمية للكتب والنشر- القاهرة-
(2 ) – القصص:77
(3 ) – النور:19
(4 ) - انظر "تفسير القرآن العظيم "للحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي( 6 /29 )-تحقيق سامي بن محمد سلامة-دار طيبة للنشر والتوزيع –الطبعة الثانية (1420هـ - 1999 م)
(5 ) - أخرجه البخاري(برقم/ 5590)- باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه -تحقيق/ محمد زهير بن ناصر الناصر-نشر دار طوق النجاة /بيروت-لبنان-الطبعة: الأولى، 1422هـ
(6 ) - الانحراف العقدي في آدب الحداثة وفكره (1: 3 )-د.سعيد بن ناصر الغامدي-طبع دار الأندلس للنشر والتوزيع-جدة-الطبعة الاولي سنة :1424هـ-2003م
(7 ) - آل عمران:104
(8 ) – سبق تخريجه
(9 ) - انظر جريدة الغد التابعة لحزب الغد الليبرالي المصري -عام 1427 هــ -2006م والعدد محذوف ذكرنا روابط أخري لتوثيقه.
(10 ) - انظر "مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين"(5/83-84)- جمع وترتيب : فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان-نشر: دار الوطن - دار الثريا- الطبعة : الأخيرة سنة 1413ه
(11 ) - النساء:3
(12 ) - الرعد:18
(13 ) -أخرجه مسلم ف-(برقم/2674)- باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة -تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي- نشر/ دار إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة الأولي سنة/ 1374هـ 1955م.
(14 ) --انظر شرح العقيدة السفارينية - الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية (ص/75): لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين-نشر دار الوطن للنشر، الرياض- الطبعة: الأولى، 1426 هـ